الأكثر مشاهدة

الشحن البحري تحت الضغط… كيف أثرت الهجمات الحوثية على الاقتصاد المغربي؟

أعاد اضطراب الملاحة الدولية في البحر الأحمر منذ نهاية 2023 رسم خارطة جديدة للتجارة الخارجية المغربية، بعدما تسببت التحولات الجيوسياسية بالمنطقة—خاصة الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثي في اليمن دعما للمقاومة الفلسطينية—في إرباك مسارات الشحن عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، وهما شريانان حيويان للتجارة العالمية.

الدراسة التي نشرها المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات ضمن تقريره السنوي لسنة 2024، رصدت سلسلة انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الوطني، مؤكدة أن تحويل مسارات السفن الدولية أدى إلى نقص واردات عدد من الدول الشريكة، وهو ما خفض مؤقتا نفقات النقل البحري للمغرب. ويكتسي هذا القطاع أهمية بالغة بالنظر إلى اعتماده بنسبة 95 في المائة في نقل المنتجات المرتبطة بالتجارة الخارجية.

تقلبات حادة في تكاليف النقل البحري

استعرضت الدراسة أرقاما لافتة تبرز مدى حساسية النقل البحري للتقلبات العالمية. فقد ارتفعت تكلفة نقل البضائع بـ 12% في الربع الأخير من 2021، قبل أن تتسارع الزيادات إلى 28% في الربع الأول من 2022 و38% في الربع الثاني من العام نفسه. لكن المؤشر سجل تراجعا بـ 4% في الربع الأخير من 2023، ليعاود الارتفاع بـ 18% في الربع الثاني من 2024.

- Ad -

هذه التقلبات، حسب المركز البحثي، تترجم تأثيرا مباشرا على أسعار الواردات، وتنعكس بشكل غير مباشر على معدلات التضخم، بحكم التكاليف الإضافية التي تتحملها الشركات في مرحلة الإمداد والنقل.

وتشير المعطيات نفسها إلى أن النقل البحري يكلف عادة حوالي 6% من قيمة واردات السلع، مقابل نسبة تقل عن 2% بالنسبة للنقل البري والجوي خلال الفترة 2020 – 2024. كما ارتفعت نفقات النقل البري بنسبة 13% في الربع الأخير من 2023، ما يعكس تشابك ضغوط اللوجستيك بين البر والبحر.

طنجة المتوسط… الرابح الأكبر

ورغم الارتباك العالمي، أكدت الدراسة أن الميزان التجاري المغربي لم يتأثر جوهريا بالأزمة، بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من المبادلات يتم مع أوروبا، بعيدا عن نقاط التوتر في البحر الأحمر.

الأرقام تكشف أن ميناء طنجة المتوسط واصل تعزيز موقعه الاستراتيجي في غرب المتوسط، متفوقاً على كل موانئ المنطقة بعد تسجيل زيادة 13.4% في عدد الحاويات مقارنة بسنة 2022. وفي مقابل التراجع الذي مس مراكز التجارة العالمية بشرق المتوسط، ازدهرت المحطات اللوجستيكية في الغرب، وعلى رأسها المغرب.

مع ذلك، نبه المركز إلى أن الاضطراب الحالي أحدث صدمة عميقة في سلاسل التوريد العالمية، خاصة في أوروبا، حيث ازدادت مدة تسليم البضائع، مما يفرض تحديات جديدة على الدول التي تعتمد على الاستيراد، ومنها المغرب.

دعوات لتعزيز البنية التحتية وتنويع الإنتاج

الدراسة خلصت إلى ضرورة تطوير سلاسل الإمداد والبنية المينائية الوطنية، بهدف رفع قدرة المغرب على مواجهة الأزمات المستقبلية، وتحصين اقتصاده من التقلبات الدولية.
كما دعت إلى:

توسيع وتطوير ميناء طنجة المتوسط، تسريع إطلاق خدمات ميناء الناظور، تنويع الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، تقوية الشركات المغربية أمام المنافسة الدولية، تحسين الخدمات اللوجستية وفق معايير عالمية، تشجيع التصنيع المحلي للسلع النهائية والمعدات.

سياق متوتر يخيم على المنطقة

ومنذ أكتوبر 2023، تعيش منطقة البحر الأحمر على وقع توترات عسكرية غير مسبوقة، بعد أن شنت قوات الحوثيين في اليمن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل، واستهدفت سفنا تجارية وعسكرية في المنطقة، رداً على الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 18 سنة.

هذه التوترات المستمرة تجعل مستقبل الملاحة الدولية رهينا بالتحولات الجيوسياسية، وهو ما يبقي المغرب—رغم صموده النسبي—أمام ضرورة تعزيز قدرته على التكيف مع صدمات اقتصادية عالمية باتت أكثر تواترا وتعقيدا.

مقالات ذات صلة