في قراءة جديدة لقانون البحار وما يرتبط به من نزاعات حدودية، تبدو الدبلوماسية المغربية وقد حققت مكسبا نوعيا، بعدما تزايد اعتراف خبراء دوليين، من إسبانيا نفسها، بقوة الأساس القانوني الذي تعتمد عليه الرباط في رسم مجالها البحري.
فالقوانين 37-17 و38-17 الصادرة سنة 2020 وضعت لأول مرة إطارا واضحا للسيادة المغربية على مياه الأقاليم الجنوبية، وهي خطوة أثارت نقاشا واسعا لكنها أثبتت اليوم نجاعتها في ميزان القانون الدولي.
نهاية “الخط الأوسط”… وبداية مبدأ الإنصاف
لسنوات طويلة، كان الجدل يتركز على ما إذا كان يجب اعتماد خط الوسط بين السواحل المغربية وجزر الكناري باعتباره الحد الفاصل “التقليدي”. غير أن هذا المنطق بات متجاوزا أمام تطور القانون البحري، الذي يقدم مبدأ الإنصاف كمرجع أساسي حين توجد ظروف جغرافية غير متكافئة.
والمغرب يقدم هنا حجته الأقوى:
مقابل أرخبيل صغير يخص إسبانيا، تمتلك المملكة جرفا قاريا متصلا يفوق طوله 3500 كيلومتر. وبالتالي، فإن مساواة الجزر بالقارة يخلق خللا قانونيا صارخا.
هذا الامتداد البحري المغربي ليس مجرد ادعاء سياسي، بل تؤكده الهيئات الدولية نفسها؛ فمؤسسة الفاو تصف المنطقة البحرية الممتدة من طنجة إلى بوجدور بالـ“ساحل المغربي”. وهو تصنيف يعزز الطرح المغربي القائل إن سيادته البحرية غير قابلة للتجزئة.
تروبيك… ثروة تفرض الشراكة قبل السيادة
وفي عمق النقاش، يبرز اسم جبل تروبيك الذي يجذب الأنظار بثرواته المعدنية الهائلة من التيلوريوم والكوبالت، وهما عنصران أساسيان في الانتقال الطاقي العالمي.
ورغم أن استغلاله غير ممكن تقنيا قبل عقود، فإن موقعه الجغرافي يضعه في قلب صراع قانوني، كونه يوجد في منطقة تتداخل فيها مطالب المغرب وإسبانيا، وتقع خارج حدود الـ200 ميل بحري.
بمعنى آخر: لا أحد يمكنه الاستفراد به.
القانون الدولي، عبر المادة 83.3 من اتفاقية مونتيغو باي، يقدم الحل:
إحداث منطقة تنمية مشتركة (JDZ) تجمد الخلاف وتسمح باستغلال مشترك للثروات.
غير أن إسبانيا، التي قدمت في 2014 ملفا لتمديد جرفها القاري، لا تستطيع السير خطوة واحدة دون اتفاق الرباط، لأن اعتراض المغرب كفيل بتوقيف كل شيء في نيويورك.
الفضاء الجوي فوق الصحراء… السيادة تعود إلى أصحابها
القضية الثانية، التي لطالما تمت معالجتها بحذر، تتعلق بإدارة الفضاء الجوي فوق الصحراء. ولأسباب تاريخية وتقنية، كان مركز المراقبة الجوية في الكناري هو من يدير هذه المنطقة.
لكن المرحلة القادمة تختلف كليا.
قرار مجلس الأمن 2797 أعاد ترتيب المشهد، بعدما أكد أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد الواقعي، واعتبر الدينامية المغربية أساسا للتسوية. وبهذا، يصبح نقل إدارة هذا المجال الجوي إلى المغرب مجرد مسألة وقت وتنسيق تقني، وليس موضوعا للنقاش السياسي.
المملكة تدير بالفعل الحركة الجوية المدنية والعسكرية في مطارات العيون والداخلة، ما يجعل استعادة سيادة الأجواء خطوة طبيعية تنتظر إطار تنفيذ ينسجم مع معايير منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO).
مغرب صاعد… وشريك لا يمكن تجاوزه
تتقاطع هذه المستجدات مع مشاريع كبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي وخط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ضمن ما يسمى بـ”الرؤية الأطلسية” التي أعلنها المغرب لبناء قوة بحرية واقتصادية صاعدة.
وفي المقابل، يرى خبراء إسبان أن قبول مبادئ الإنصاف البحري ونقل إدارة الأجواء لا يمثل خسارة لمدريد، بل ضمانة لاستقرار جزر الكناري، وفتحا لباب اندماجها في الدينامية الاقتصادية الإفريقية.
الرسالة التي يوجهها هؤلاء الخبراء واضحة:
أمن الكناري وازدهارها يمران عبر اعتراف كامل بالسيادة المغربية، بحرا وجوا.


