الأكثر مشاهدة

تراجع وزن المؤسسات وصعود الفرد.. هل تدخل بورصة الدار البيضاء زمنها الجديد؟

في مشهد لم تعتد عليه السوق المالية المغربية منذ سنوات طويلة، يتقدم المستثمر الفرد إلى الواجهة داخل بورصة الدار البيضاء، في تحول عميق يعيد ترتيب القوى ويضع حدا لهيمنة المؤسسات المالية الكبرى التي اعتادت التحكم في إيقاع التداولات.

هذا التغيير لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تفاعل ثلاث قوى محورية: التحول الرقمي السريع الذي أعاد تشكيل طريقة الاستثمار، الزخم الذي خلقته الاكتتابات العامة الأخيرة، ثم الارتفاع اللافت في الوعي المالي لدى شريحة واسعة من الشباب والمهنيين الباحثين عن فرص استثمارية نظيفة وواضحة.

البيانات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل تكشف أن السوق دخلت مرحلة توازن جديدة، حيث لم تعد المؤسسات التقليدية تتحرك داخل فضاء خال من المنافسة. ورغم استمرار صناديق الاستثمار المشتركة في قيادة التدفقات المالية، إلا أن وزنها النسبي لم يعد كما كان، بعدما ارتفعت حصة المستثمرين الأفراد إلى 28% من حجم التداول، وهو مستوى غير مسبوق منذ 2017، بل وتجاوز لأول مرة ما تحققه المؤسسات التقليدية.

- Ad -

ورغم ضخ صناديق الاستثمار أكثر من 11.4 مليار درهم في مشترياتها مقابل 9.3 مليارات كمبيعات، استطاع الأفراد تسجيل حضور قوي من خلال تداولات شبه متوازنة، بـ 7.7 مليارات درهم مشتريات مقابل 8 مليارات مبيعات، في نمو يؤكد أن المستثمر الفرد أصبح أكثر وعيا وقدرة على تحليل السوق واتخاذ القرار.

في المقابل، اتخذت الشركات المغربية موقع البائع الصافي، بينما عزز المستثمرون الأجانب وجودهم بشكل لافت، إذ تضاعفت مشترياتهم ثلاث مرات، في مؤشر على ثقة دولية متنامية في مرونة الاقتصاد المغربي وواقعية تقييمات البورصة.

كما تجاوز حجم التداول في السوق المركزي 28 مليار درهم، مع ارتفاع عدد الأوامر والعقود بأكثر من 70%، في نشاط لم تشهده البورصة منذ سنوات، ويعكس التحول الذي قادته الرقمنة، حيث أصبحت المنصات الإلكترونية القناة الأساسية لأغلب المتعاملين. بعض شركات الوساطة باتت تنجز أكثر من ثلثي أوامر الأفراد عبر تطبيقات رقمية، وهي قفزة لم يتوقع أحد أن تسير بهذه السرعة.

الجيل الجديد من المستثمرين أظهر نضجا واضحا؛ فهم يقرأون البيانات، يتابعون دورات السوق، ويبتعدون عن الاندفاع الذي طبع سلوكيات الأفراد في السابق، مع تركيز ملحوظ على قطاعات استراتيجية مثل العقار والصحة والبناء، ما يمنح السوق عمقا لم يكن حاضرا بنفس القوة قبل سنوات.

اليوم، ولأول مرة منذ عقد، تتقاطع أدوار المستثمر المؤسساتي والأجنبي والفرد، ليشكلوا معا دينامية جديدة تجعل بورصة الدار البيضاء أكثر جاذبية واستدامة، بقدرة أكبر على امتصاص تقلبات السوق واستغلال الفرص المستقبلية.

مقالات ذات صلة