تعيش مدريد على وقع أسبوع دبلوماسي مضغوط، بعدما أكدت وسائل إعلام إسبانية أن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز سيستقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال شهر دجنبر الجاري، مباشرة بعد القمة الرفيعة التي ستجمع سانشيز برئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في الرابع من الشهر ذاته. خطوة تعدها الأوساط السياسية محاولة إسبانية لإعادة ترتيب توازناتها الخارجية في ظرف حساس.
وتأتي هذه الزيارة المرتقبة لتبون في وقت يستعد فيه المغرب وإسبانيا لعقد الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بمدريد، وهو لقاء يحمل رهانا كبيرا بالنظر إلى الوزن الاستراتيجي للعلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد. لكن قبل وصول تبون إلى العاصمة الإسبانية، كشفت صحيفة “The Objective” عن تحرك آخر داخل الحكومة الإسبانية، يتمثل في الموافقة المنتظرة على تعيين راميرو فرنانديز باتشيلير سفيرا جديدا بإحدى أكثر العواصم حساسية بالنسبة لإسبانيا: الجزائر.
الصحيفة نفسها ربطت هذا التعيين بالوضع الداخلي المتوتر لدى الجارة الشرقية، خصوصا الجدل الذي أثاره فرار رئيس جهاز مكافحة الاستخبارات السابق عبد القادر حداد، وهي معطيات تضيف طبقة جديدة من التعقيد فوق ملف لم يهدأ منذ أزمة الصحراء المغربية.
وفي سياق العلاقات الثنائية، تشير معطيات دبلوماسية حصلت عليها الصحافة الإسبانية إلى أن الارتفاع الحادّ في القوارب القادمة خلال الصيف الماضي من السواحل الجزائرية نحو جزر البليار كان مرتبطاً بتخفيف الجزائر مراقبة شبكات الهجرة، في خطوة فسرها الخبراء بأنها ضغط مباشر على مدريد لتسريع منح التأشيرات للجزائريين. فقد استقبلت جزر البليار بين يونيو وشتنبر 2025 حوالي 3900 مهاجر على متن 224 قاربا، وهو رقم يفوق الواصلين إلى جزر الكناري، في مؤشر واضح على انهيار التنسيق بين الجانبين منذ اشتداد الأزمة الدبلوماسية.
ورغم الإعلان عن استئناف العلاقات التجارية، تكبدت الشركات الإسبانية خسائر وصفت بـ”القاسية”، تجاوزت 3.2 مليارات يورو خلال 28 شهرا من القطيعة، نتيجة تجميد الجزائر لمعاملاتها المصرفية مع مدريد كرد فعل على دعم رئيس الوزراء الإسباني لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
ولم تتوقف مظاهر التوتر عند هذا الحد، إذ تشتكي الجزائر من بطء منح التأشيرات في القنصليات الإسبانية، بينما تعبر مدريد عن امتعاضها من رفض الجزائر دخول الإسبان من أصول مغربية، ما جعل الأزمة تتحول إلى سلسلة سوء تفاهم متبادل.
وبحسب تحليل صادر عن المعهد الملكي “إلكانو”، فإن انهيار التنسيق بين البلدين في ملف الهجرة قد يعيد رسم طرق الهجرة نحو أوروبا، خاصة عبر الجنوب الجزائري في اتجاه المغرب، وهو احتمال يثير مخاوف مدريد وبروكسيل معا.
زيارة عبد المجيد تبون المرتقبة لمدريد ستكون بلا شك اختبارا حقيقيا للعلاقات بين البلدين؛ فبين أزمة الهجرة، وملف التأشيرات، وتراجع التعاون الأمني، والملفات الطاقية المعقدة، تبدو الحكومة الإسبانية مطالبة بإيجاد توازن جديد في منطقة شديدة الحساسية.
وتعود جذور الأزمة بين الجزائر ومدريد إلى مارس 2022، حين استدعت الجزائر سفيرها احتجاجا على دعم سانشيز للمقترح المغربي للحكم الذاتي، لتدخل العلاقات بعدها مرحلة جمود طويلة انتهت بتعليق معاهدة الصداقة، والتضييق على التجارة، وإغراق الشركات الإسبانية في خسائر فادحة. خطوة جعلت الاتحاد الأوروبي يعلن بوضوح أن الجزائر قد تكون بصدد خرق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، مؤكدا دعمه المطلق لإسبانيا.
وبينما تستعد مدريد لاستقبال رئيس الحكومة المغربية في قمة حاسمة، تثير زيارة تبون اللاحقة تساؤلات عديدة حول قدرة إسبانيا على حفظ توازنها بين الرباط والجزائر، في ظرف إقليمي شديد الحساسية ومفتوح على كل الاحتمالات.


