تعيش عدد من العمالات، خلال الأسابيع الأخيرة، حالة استنفار غير مسبوقة بعد أن فجرت الأبحاث الإدارية الجديدة ملفات مالية حساسة داخل ردهات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتكشف عن اختلالات عميقة تورط منتخبين ومسؤولين سابقين في تدبير الدعم العمومي المخصص لحاملي المشاريع وفقا لجريدة “الصباح”.
التحقيقات التي باشرتها لجان مختلطة، بتوجيه من السلطات الجديدة، لم تتوقف عند حدود الشبهات الأولية، بل امتدت إلى مراجعة دقيقة لملفات الدعم خلال السنوات الخمس الماضية. وهنا برزت معطيات صادمة: مشاريع ممولة على الورق فقط، معدات غير مطابقة للمعايير، وملفات دعم مررت عبر قنوات حزبية تتحرك بمنطق الحملات الانتخابية قبل أوانها.
وحسب معطيات متداولة، فإن نجل أحد المنتخبين البارزين، الذي جرى إعفاؤه مؤخرا من رئاسة قسم العمل الاجتماعي، يوجد اليوم على رادار العدالة، بعدما صار أقرب من أي وقت مضى للإحالة على غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بسبب مخالفات جسيمة رصدتها التحقيقات. شكايات عديدة من مرشحين تم إقصاؤهم دون مبرر قانوني، ومشاريع وهمية حصد أصحابها منحا مهمة دون أي تتبع أو مراقبة.
هذا الخلل الهيكلي فجر موجة غضب وسط شباب سبق لهم تقديم ملفات مطابقة لكل الشروط، لكنهم وجدوا أنفسهم خارج لائحة المستفيدين، في وقت كان الدعم يتجه نحو مقربين من أصحاب النفوذ الحزبي. ما دفع السلطات الجديدة إلى إعادة فتح باب الترشيحات بمناصب المسؤولية داخل الأقسام الاجتماعية، في محاولة لإعادة بناء الثقة واستقطاب كفاءات قادرة على تنزيل التوجيهات الملكية ومحاصرة كل أشكال العبث التي كشفت عنها تقارير الشؤون العامة.
وفي الأفق المتوسط، يراهن المرصد الوطني للتنمية البشرية على إرساء منظومة شفافة لتتبع البرامج الاجتماعية وتقييمها وفق منهجيات دقيقة، مع تطوير أدوات تحليلية تساعد على قراءة حقيقية لأثر السياسات العمومية. هدفه المركزي: وضع حد للاختلالات البنيوية، وضمان إدارة عقلانية وفعالة للموارد، وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن.
ويؤكد المرصد أن المرحلة المقبلة تتطلب بنية معلوماتية قوية، ومعطيات دقيقة، وجرأة في اتخاذ القرار، حتى تتجه بوصلـة التنمية نحو الفئات التي تحتاجها فعلا، بعيدا عن كل حسابات ضيقة حولت برامج اجتماعية كبرى إلى فضاء للفوضى بدل أن تكون رافعة للإدماج الاجتماعي والتنمية المنشودة.


