في خطوة غير مسبوقة داخل المشهد الحزبي المغربي، كشف الحزب الاشتراكي الموحد، عبر مذكرة صادرة عن “تيار اليسار الجديد المتجدد”، عن رؤية سياسية شاملة تعيد فتح ملف الصحراء من زاوية مختلفة تماما، داعيا إلى تجاوز مرحلة المواقف العامة واللغة الدبلوماسية الحذرة نحو مقاربة سياسية واضحة، منسجمة مع مشروع الحكم الذاتي وما يفتحه من آفاق.
الوثيقة، التي جاءت بعد سنوات من الصمت والتردد الحزبي تجاه ملف تعتبره الدولة مجالا سياديا مغلقا، تؤكد أن الأحزاب الديمقراطية مطالبة اليوم بمراجعة عميقة لمسارها. فحسب ما ورد فيها، ظل الفاعلون السياسيون رهائن “ميزان قوة قديم” يقوم على احتكار الدولة لتدبير النزاع من جهة، وعلى تردد داخلي وخوف تنظيمي داخل الأحزاب بالأقاليم الجنوبية من جهة أخرى. وهو توازن هش، تقول المذكرة، أدى إلى غياب مواقف جريئة ومستقلة، وإلى انكماش الفعل السياسي في المنطقة.
وترى الوثيقة أن تجديد مقاربة الأحزاب لقضية الصحراء يبدأ من الاعتراف بأن الملف ليس فقط قضية وطنية، بل هو أيضا قضية ديمقراطية ترتبط بإصلاح الدولة وتعزيز الجبهة الداخلية. ومن هنا تدعو إلى إعادة هيكلة التنظيمات الحزبية بالأقاليم الجنوبية بما يعكس الثقافة الحسانية وخصوصيات المجتمع المحلي، عبر إشراك المواطنين ذوي الأصول الصحراوية في الأجهزة التقريرية والتنفيذية، وبناء شبكات تنسيق جهوية تمهد لظهور هياكل سياسية قادرة على مواكبة مشروع الحكم الذاتي.
وتذهب المذكرة أبعد من ذلك، إذ تطالب بانفتاح البرامج الحزبية على مختلف المكونات الصحراوية، بما في ذلك الأطر المدنية والسياسية القادمة من جبهة البوليساريو، وخصوصا المنتسبين لتيار “خط الشهيد مصطفى الوالي”. الهدف، وفق الوثيقة، هو بناء انتقال سياسي فعلي يقطع مع اقتصاد الريع ومع شبكات الولاءات التقليدية التي عطلت تطور الحياة الديمقراطية في المنطقة.
وتدعو الوثيقة كذلك إلى منح الأولوية للقضايا الاجتماعية الملحّة مثل الأرض والثروة والتنمية والحريات، مؤكدة أن تعزيز الثقة لن يتحقق من دون دمج الذاكرة النضالية والثقافية للساكنة المحلية داخل البرامج الحزبية، وإسناد دور أكبر للشباب والنساء في الفعل السياسي.
وتقترح المذكرة إطلاق دينامية دبلوماسية مدنية مغاربية وإفريقية، وتنظيم حوارات حول الحكم الذاتي والنماذج المقارنة، معتبرة أن النقاش الهادئ والمسؤول يمكن أن يفتح بابا لحل سلمي مبني على المصير المشترك لشعوب المنطقة. وتطالب أيضا بعفو عام وشامل عن معتقلي الرأي والمختطفين في مختلف الحراكات الاجتماعية، معتبرة أن هذه الخطوة تشكل مرحلة تأسيسية لبناء الثقة وإنجاز مصالحة وطنية حقيقية.
وفي ما يشبه خريطة طريق لعدالة انتقالية جديدة، تؤكد الوثيقة ضرورة كشف الحقيقة عن الانتهاكات الجسيمة منذ 1956، مرورا بتجارب المنفى والقمع الجماعي، وصولا إلى الحراكات المعاصرة. وتدعو إلى إصلاح شامل للأجهزة الأمنية والقضائية وربطها بالرقابة البرلمانية والمجتمعية، وإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس المحاسبة والمسؤولية.
وفي قراءة نقدية لواقع الأقاليم المهمّشة، ترى الوثيقة أن المصالحة الوطنية لن تكون كاملة دون معالجة التهميش التاريخي الذي طال مناطق مثل الحسيمة وسيدي إفني وجرادة وزاكورة والجنوب. فهذه المناطق، تقول المذكرة، تحتاج برنامجا وطنيا لجبر الضرر الجماعي يعيد توزيع الثروة ويفتح أفقا جديدا للاندماج في مشروع وطني ديمقراطي.
وتختم الوثيقة برسالة واضحة: تنزيل الحكم الذاتي لن ينجح إلا داخل فضاء سياسي نظيف، محرر من الولاءات الإدارية ومن شبكات الزبونية، وفي إطار دولة قوية بالمؤسسات وديمقراطية في اختيار مسارها. وهي رؤية قد تحرك نقاشا ظل مؤجلا داخل المشهد الحزبي لسنوات طويلة.


