لم تهدأ بعد الصدمة التي خلفتها فاجعة الفنيدق، بعدما طوت المدينة الثلاثاء الماضي واحدة من أثقل أيامها حزنا، إثر اصطدام شاحنة محملة بمواد البناء بمبنيين على مستوى شارع محمد الخامس، ما أسفر عن ستة قتلى وستة جرحى في حادثة هزت الرأي العام بشكل غير مسبوق. غير أن ما زاد من احتقان الشارع، ليس الحادث نفسه فقط، بل الصورة التي انتشرت بسرعة البرق لعلامة مرورية تمنع مرور الشاحنات، نصبت مباشرة بعد المأساة، في المكان الذي كان يجب أن تتواجد فيه منذ البداية.
وسط هذا الغضب الشعبي، عاد سؤال واحد ليخيّم بقوة على أحاديث سكان المدينة: من أعطى الأمر بنزع علامة منع مرور الشاحنات؟ وكيف يعقل أن تعاد إلى مكانها فقط بعد وقوع الكارثة؟ شهادات متطابقة لأهالي الحي أكدت أن الشارع ضيق ومكتظ، وأن السير فيه يتطلب حذرا كبيرا بسرعة لا تتجاوز 20 كيلومترا في الساعة، خاصة مع تأثير المدار الجديد الذي حول المنطقة إلى نقطة مرور حساسة.
من الناحية القانونية، تكشف هذه الحادثة عن خرق خطير لمبدأ الشرعية، إذ لا يمكن تغيير أو إزالة علامة مرورية إلا بقرار إداري معلل ومكتوب. والأخطر من ذلك أن عدم تنفيذ قرار سابق يقضي بإعادة نصب الإشارات، رغم عقد اجتماع رسمي خصص لهذا الغرض، يطرح تساؤلات ثقيلة حول الجهة التي أوقفت التنفيذ، ولماذا.
وتشير المعطيات المتداولة إلى أن القرار كان جاهزا، وأن الغاية منه حماية الأرواح وضمان انسيابية المرور، إلا أن عدم تفعيله في حينه حرَم ستة أشخاص من فرصة النجاة. هذا التأخير غير المبرر يفتح الباب أمام مسؤوليات محتملة تتجاوز الخطأ الإداري إلى شبهات الإهمال.
أما إعادة وضع العلامة مباشرة بعد الفاجعة، فهي خطوة أثارت موجة استياء واسعة، إذ يرى مراقبون أن توقيتها قد يفهم كمساس بنزاهة التحقيق، وكأنه محاولة لتغيير معالم الواقعة. وهو ما يجعل القضية أكثر تعقيدا، ويضع الجهات المعنية أمام مساءلة قانونية وأخلاقية شديدة الحساسية.
فاجعة الفنيدق، التي تحولت إلى قضية رأي عام بامتياز، لم تكشف فقط هشاشة البنية المرورية في المدينة، بل فضحت خللا إداريا عميقا تطرح معه أسئلة مؤلمة حول كلفة التهاون في تدبير الشأن المحلي. وبينما ينتظر الشارع أجوبة شفافة ومحاسبة واضحة، يبقى الأهم أن لا تتحول حياة المواطنين إلى ثمن لتقصير إداري أو صراع نفوذ داخل مكاتب القرار.


