أعاد المركز الوطني للدراسات والأبحاث في التراث المغمور بالمياه فتح صفحة منسية من تاريخ السواحل المغربية، بعد نجاحه في إعادة تحديد الموقع الدقيق للغواصة الفرنسية “ميدوز” قبالة سواحل الجرف الأصفر بإقليم الجديدة، في خطوة علمية تعكس تنامي الاهتمام الرسمي بالتراث البحري الغارق.
وتندرج هذه العملية ضمن برنامج تعاون متواصل للسنة الثانية على التوالي، يجمع بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والدرك الملكي، ويهدف إلى جرد المعالم الأثرية البحرية وصونها من مخاطر الاندثار أو الاستغلال غير المشروع، في وقت بات فيه هذا النوع من التراث عرضة لتدخلات بشرية متزايدة.
وتكتسي غواصة “ميدوز” قيمة تاريخية خاصة، باعتبارها غرقت في نونبر 1942 خلال عملية “الشعلة” المرتبطة بالحرب العالمية الثانية، وهي مرحلة تركت آثارا عميقة في المجالين العسكري والبحري بالمغرب. وتشكل بقاياها اليوم شاهدا ماديا على مرحلة دقيقة من التاريخ، وتفتح آفاقا بحثية لفهم ظروف غرقها ومسار تدهورها داخل وسط بحري متغير.
وأظهر الفحص الأولي أن الحطام يتوزع على جزأين، أحدهما مطمور في عمق البحر تحت الرمال وفي حالة حفظ متوسطة، بينما يوجد الجزء الثاني، المتمثل في الهيكل والبرج، في عمق أقل ويعاني من تدهور متقدم. ولا يعزى هذا التدهور فقط للعوامل الطبيعية، بل يرجح ارتباطه بمحاولات تفكيك تعود إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي.
وتعيد هذه العملية طرح سؤال حماية التراث المغمور بالمياه، باعتباره جزءا من الذاكرة الجماعية ورافدا معرفيا وسياحيا مهما، يستدعي مقاربة علمية صارمة توازن بين البحث والحفظ والتثمين، قبل أن يختفي هذا التراث الصامت نهائيا تحت ضغط الزمن والإهمال.


