الأكثر مشاهدة

زلزال في المالية.. “كومندو” تفتيش يطارد مليارات الصفقات العمومية المنهوبة بـ “مقاس أصحاب الشكارة”

في خطوة وصفت بـ “الاستنفار الرقابي” الأوسع من نوعه، علم من مصادر جيدة الاطلاع أن عناصر المفتشية العامة للمالية رفعت من وتيرة تحقيقاتها لتعقب “خيوط” مليارات الدراهم التي تبخرت في صفقات عمومية مشبوهة. التحقيقات، التي تأتي عقب تقارير سوداء من المجلس الأعلى للحسابات وشكايات مقاولات متضررة، تستهدف كشف “الأيادي الخفية” التي هندست طلبات عروض على مقاس “أصحاب الشكارة”، خارقة بذلك روح ومنطوق المرسوم الجديد للصفقات العمومية.

وتشير معطيات الملف إلى أن مفتشي المالية وضعوا دفاتر تحملات صفقات أنجزتها مؤسسات ومقاولات عمومية تحت “مجهر” التدقيق، خاصة تلك المتعلقة بتجهيزات وخدمات لوجستية. وتفيد المصادر بأن شبهات قوية تحوم حول “تفسير ملتبس” للمادة 37 من القانون، حيث تعمدت بعض الإدارات الاستغناء عن “طلب العينات” والمطابقة التقنية، مكتفية بصور وبيانات توضيحية فقط.

هذا الالتفاف أدى بشكل مباشر إلى إهدار مليارات الدراهم في صفقات لا تتوفر فيها أدنى معايير الجودة، بذريعة واهية تدعي “غياب الكفاءات” القادرة على فحص العينات، في وقت يزخر فيه المغرب بأطر علمية وتقنية عالية المستوى.

- Ad -

أكاديميات التعليم.. صفقات “مفصلة” واقتصاد غير مهيكل

ولم تكن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بمنأى عن هذا الإعصار الرقابي؛ حيث كشفت التحريات عن “تفصيل” صفقات تزويد المؤسسات التعليمية بالطاولات، المكاتب، وأجهزة الحاسوب، بطريقة تخدم مزودا واحدا وتضعف تنافسية المقاولات الوطنية الكبرى. هذه الممارسات لم تكتفِ بإقصاء الشركات المهيكلة، بل شرعنت “القطاع غير المهيكل” عبر تمكين شركات حديثة التأسيس من صفقات ضخمة، تعتمد على “المناولة” وتعدد الوسطاء، مما أدى إلى تعطيل أوراش كبرى وتراجع حاد في جودة الخدمات المقدمة للمواطن.

الخطر في هذه “الهندسة المشبوهة” للصفقات لم يقتصر على هدر المال العام فحسب، بل امتد لضرب قدرات التصدير لدى المقاولات الوطنية. فبدلا من تشجيع العلامات المغربية للمنافسة في الأسواق الإفريقية، ساهم التركيز على “أرخص سعر” وغض الطرف عن التخصص والجودة في تقليص نشاط الشركات المتخصصة ودفع بعضها للإغلاق. إنها “خيانة اقتصادية” لرهانات المغرب الذي يسعى لفرض سيادته الصناعية والخدماتية قاريا.

وزارة الاقتصاد والمالية واللجنة الوطنية للطلبيات العمومية غصت مكاتبها بشكايات تتحدث عن “تلاعبات” في الملفات التقنية والشهادات المرجعية. والرسالة اليوم واضحة: عهد “التسيب” في الصفقات العمومية يقترب من نهايته، والتحقيقات الجارية كفيلة بفك شفرة “المستفيدين الحقيقيين” من هذا الريع الذي عطل عجلة التنمية الوطنية.

مقالات ذات صلة