في صمت الجبال الشاهقة بمرتفعات أزيلال، ارتفع صوت ساكنة آيت بوكماز مناديا بالكرامة والحق في العيش الكريم، في وقفة احتجاجية حضارية وسلمية انطلقت منذ الأمس وامتدت إلى اليوم. لا هتافات خارجة عن السياق، ولا مطالب مستحيلة، بل فقط وجوه متعبة، وأياد مرفوعة بصور جلالة الملك والعلم الوطني، في إشارة رمزية صادقة على أن المطالب المشروعة لا تتنافى مع الوفاء للثوابت الوطنية.
هذا الشكل الحضاري للاحتجاج أعاد إلى الواجهة أسئلة طالما خيمت على المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بأداء المؤسسات الجهوية، وعلى رأسها مجلس جهة بني ملال – خنيفرة. سنوات من البرامج الورقية والوعود المتكررة، لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ فوق تراب آيت بوكماز، التي ما زالت تنتظر أبسط مقومات البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
احتجاج سلمي بأزيلال يكشف اختلالات التنمية الجهوية
المطالب التي صدحت بها الحناجر هناك، لا تتجاوز في مضمونها الحد الأدنى من الإنصاف: تهيئة الطريق الجهوية 302 نحو تيزي نترغيست والطريق 317 المؤدية لآيت عباس، تأمين النقل المدرسي للحد من الهدر، دعم القطاع الصحي بطبيب قار ومركز مجهز وسيارة إسعاف، ثم تغطية الاتصالات والإنترنت، فضلا عن بناء مدرسة جماعية وملاعب للقرب وسدود تلية، ومراكز للتكوين تراعي طبيعة العيش الجبلي، وصولا إلى مطلب الربط بالماء الصالح للشرب.
كل هذه الأولويات، التي تقع في صميم اختصاص المجلس الجهوي، تطرح اليوم كمرآة فاضحة لحصيلة لا تتحدث عنها الأرقام الرسمية. أين كانت برامج العدالة المجالية؟ وأين صرفت ميزانيات التنمية؟ وكيف يعقل أن تظل منطقة بهذا الحجم خارج دائرة الاهتمام؟ أسئلة حارقة يطرحها المواطنون، في ظل صمت مطبق من الجهات المعنية، وعلى رأسها رئيس المجلس الجهوي.
المفارقة أن الاحتجاج جاء في سياق وطني يعرف دعوات متزايدة لتقليص الفوارق وتحقيق تنمية عادلة، غير أن واقع الحال بآيت بوكماز يظهر أن الجبل لا يصل إليه سوى الصدى.
لقد تحدث المواطنون بلغة العقل والحضارة، واختاروا التعبير السلمي، لكن استمرار التهميش والتجاهل قد يدفع مناطق أخرى إلى التعبير بأساليب أقل هدوءا. لذلك، لا بد من رد مؤسساتي واضح، لا مجرد بلاغات ترويجية، يوضح للرأي العام ما تحقق فعلا، وما لم يتحقق، ولماذا.
فالناس هناك لم يخرجوا طلبا للمنح، بل للحقوق. ولا يبحثون عن امتيازات، بل فقط عن حقهم في أن ينظر إليهم كجزء من مغرب يستحق أن يكون عادلا مع جميع مواطنيه.


