على بعد خطوات من ضجيج العاصمة الاقتصادية، يواجه سكان إقليم برشيد، ضواحي الدار البيضاء، شبحا بيئيا يتهدد حياتهم اليومية ومستقبلهم الصحي. في ظل تضاريس ترتفع فيها المباني على هضاب شاهقة، تحولت أحواض تجميع المياه العادمة إلى بؤر قاتمة، تجسد غياب التخطيط السليم والمراقبة الفعالة.
أحواض السم تهدد البيئة والإنسان في ضواحي الدار البيضاء
تلك الأحواض التي أنشئت بداية كمحطات مؤقتة لتصريف المياه العادمة قبل ضخها نحو القنوات الرئيسية، لم تكن سوى قنابل موقوتة، تنتظر ارتفاع درجات الحرارة في الصيف لتنفجر برائحة كريهة، تحاصر البيوت وتفتح أبوابها أمام أسراب الحشرات الناقلة للأمراض.
من بعيد، قد تبدو هذه التجمعات السكنية مثل أي منطقة عصرية أخرى، ولكن القرب يكشف عن واقع مرير. المياه الجوفية التي كانت يوما مصدر حياة لهذه المناطق، أصبحت مهددة بالتلوث نتيجة التسربات الباطنية لتلك الأحواض. القلق يتزايد بين السكان الذين يتساءلون: هل ستبقى الآبار النظيفة جزءا من ماضيهم فقط؟
وذلك راجع لوجود ثغرات خطيرة في عملية الترخيص لبناء هذه التجزئات والوحدات السكنية. في بلد يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة، يعد غياب الربط المباشر بشبكة الصرف الصحي وصمة عار على جبين المسؤولين، خصوصا مع زيادة حدة المشكلة خلال الصيف.
وفي ظل غياب حلول عاجلة، يبدو أن هذه المناطق تسير على خطى مطرح مديونة الشهير، الذي بات يعرف بسمعته السيئة نتيجة عصارة الأزبال التي لوثت مياه الفرشة المائية على نطاق واسع. التصريحات التي أدلى بها محمد بنعبو،.. رئيس جمعية “مغرب أصدقاء البيئة”،.. أكدت أن الجماعات الترابية فشلت في الوفاء بالتزاماتها، تاركة السكان وحدهم يواجهون هذا الخطر الداهم.
ورغم أن أصوات الاستغاثة ترتفع من كل جانب،.. سواء من مستشارين محليين أو جمعيات المجتمع المدني،.. إلا أن الآذان الرسمية تبدو صماء. أحياء مثل رياض الألفة والزوبير في الحي الحسني تعيش تحت وطأة تلك الأحواض المفتوحة،.. التي تتحول ليلا إلى مصانع للروائح الكريهة،.. ومصدر للأمراض المعدية.
إقرا أيضا :مياه “ردئية” تهدد صحة سكان سيدي معروف: دعوات لتدخل السلطات
التساؤلات تتصاعد حول الجدوى من استمرار الترخيص لبناء أحواض تجمع المياه العادمة،.. بينما تشدد وزارة الداخلية على الربط الشامل بشبكات التطهير. هذه القرارات المتناقضة لا تهدد فقط البيئة،.. بل تعد هدرا لموارد مائية يمكن إعادة تدويرها والاستفادة منها في سقي المساحات الخضراء.