تجاوزت أزمة المناخ في المغرب عتبة التحذير، لتتحول إلى واقع مرير يفرض إعادة التفكير في كل سياسات التهيئة والتخطيط. فخلال ندوة مناخية نظمتها المديرية العامة للأرصاد الجوية يوم الجمعة 20 يونيو في الرباط، قدم وزير التجهيز والماء، نزار بركة، معطيات صادمة تكشف أن سنة 2024 سجلت أعلى درجات حرارة في تاريخ المملكة، وأدنى معدلات تساقط منذ أكثر من ستة عقود.
بلغت درجة الحرارة السنوية بالمغرب سنة 2024 معدلا يفوق بـ1,49 درجة المعدلات المسجلة بين 1991 و2020، وهي أعلى قيمة مسجلة على الإطلاق. في بني ملال وصلت الحرارة إلى 47,7 درجة، بينما سجلت إفران -6,1 درجات نهاية دجنبر. وبين يناير وشتنبر، عاش المغرب واحدة من أكثر فصول السنة تطرفا في درجات الحرارة.
العام نفسه كان الأكثر جفافا منذ الستينيات، حيث لم تتجاوز التساقطات 248,9 ملم مقابل 450 ملم كمعدل سنوي. ولم يكن ذلك فقط مؤشرا على الجفاف، بل أيضا على تراجع خطير في احتياطي المياه، حيث انخفض منسوب ملء السدود إلى 31٪ فقط بنهاية ماي.
الأرقام المقلقة لم تتوقف عند الأمطار، بل شملت أيضا الغطاء الثلجي الذي تراجع بشكل كارثي. فبعدما كانت المملكة تسجل نحو 50 ألف كيلومتر مربع من المساحات المغطاة بالثلوج، لم يتبق منها سوى 9.900 كيلومتر مربع فقط سنة 2024، وهو ما أثر بشكل مباشر على تغذية الموارد الجوفية.
وفي المقابل، أصبحت البلاد تشهد ظواهر مناخية عنيفة ومفاجئة. ففي شتنبر، شهدت المناطق الجنوبية فيضانات قوية وصلت ذروتها إلى 300 متر مكعب في الثانية. أما مدينة تطوان فسجلت رياحا بلغت سرعتها 126 كلم في الساعة، بينما هطلت 170 ملم من الأمطار خلال 24 ساعة فقط في منطقة طاطا.
نحو نموذج تخطيط جديد
أمام هذه المعطيات، شدد الوزير نزار بركة على ضرورة اعتماد تخطيط أكثر دقة ومرونة، يأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية الجديدة. وأوضح أن الوزارة تشتغل على تحديث نماذج المحاكاة الخاصة بالمناخ والمياه، وذلك لتلائم كل جهة حسب خصوصياتها.
وأضاف أن مناطق مثل الجهة الشرقية وجنوب الأطلس، التي كانت تصنف جافة، باتت اليوم تستقبل نسبا أكبر من الأمطار، في حين أن المناطق الساحلية بدأت تشهد تراجعا مقلقا. الأمر الذي يفرض مراجعة شاملة لتصميم المنشآت كالقناطر والسدود ومحطات المعالجة.
ما تطمح إليه الحكومة، وفق تصريحات بركة، هو التحول من منطق رد الفعل إلى مقاربة استباقية، مبنية على معرفة دقيقة بالتغيرات، وتوزيع الموارد بحسب الأولويات، مع تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتوجيه الاستثمارات نحو المناطق الأكثر هشاشة.
في ظل هذه المؤشرات، يبقى السؤال مفتوحا: هل تملك المملكة الأدوات اللازمة لمواجهة واقع مناخي لم يعد استثنائيا بل مرشحا ليصبح القاعدة؟ وهل ستفي الاستراتيجيات الجديدة بوعدها في زمن التحولات الحارقة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.