لم يكن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الذي اعتمد الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كأساس وحيد للتفاوض، مجرد انتصار دبلوماسي عابر، بل كان بمثابة شرارة أحيت ملفا قديما وموروثا عن حقبة الاستعمار الفرنسي. فبعد سنوات من اقتصار الحديث على “الصحراء الشرقية” المغربية المقتطعة، أصبحت أوساط سياسية وإعلامية ودبلوماسية في تونس تستحضر بدورها أراضي الجنوب الغربي المقتطعة منها، والتي تقدر بحوالي 13 ألف كيلومتر مربع، لتسلط الضوء على هشاشة الأساس الجغرافي للدولة الجزائرية الحديثة.
إرث فرنسي يبني “الهيمنة” الإقليمية
تأسست الجزائر الحديثة على حدود جغرافية ناتجة عن ضم واقتطاع أراض واسعة من ثلاث دول جارة هي المغرب وتونس وليبيا خلال الحقبة الاستعمارية. هذا الإرث الجغرافي لا يزال يلقي بظلاله على سياسات الجزائر الإقليمية، ويظهر جليا في محاولاتها المستمرة لتأجيج النزاعات الحدودية والصراعات، وأبرزها دعمها المطلق لجبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء المغربية.
لم يقتصر التعدي على المغرب فحسب، الذي فقد أجزاء واسعة من جنوبه بعد معركة إيسلي 1844 ومعاهدة لالة مغنية 1845 لصالح “الجزائر الفرنسية”، بل طال ليبيا أيضا، حيث ظل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يطالب باستعادة أراض تم الاستيلاء عليها على طول حوض غدامس، مؤكدا في خطاب علني سنة 1997 رفضه للحدود الموروثة عن الاستعمار مع أي دولة عربية. كما أن الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة طالب فرنسا في عام 1959 بتصحيح الحدود الغربية لتونس وإلغاء الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية في مناطق مثل “برج الخضراء”، مؤكدا التعدي على الأراضي التونسية واستنزاف الثروات المشتركة.
استنزاف المياه وتأجيج الصراعات
وفي سياق متصل، شدد السفير والدبلوماسي التونسي السابق إلياس القصري، قبل أيام، على أن استغلال النظام الجزائري لثروات وأراضي جيرانه طوال نصف قرن مكنه من زعزعة استقرار شمال إفريقيا والساحل، لكنه كشف في المقابل هشاشة مشروعه السياسي. وأكد القصري أن الهيمنة لم تقتصر على السيطرة على الأراضي، بل امتدت لاستنزاف الثروات المشتركة، بما فيها المياه الجوفية العميقة على الحدود التونسية الجزائرية، التي تدار بشكل يُخضع تونس اقتصاديا.
تؤكد الوثائق التاريخية، من سجلات الخزانة الملكية المغربية إلى أرشيف الفرنسيين، أن توسع “الجزائر الفرنسية” جاء على حساب المغرب من السعيدية إلى فكيك ثم الصحراء الشرقية، مستغلا ضعف الدولة المغربية آنذاك. إن سعي الجزائر اليوم لدعم البوليساريو ليس سوى استمرارا لهذا التوجه التوسعي بهدف إنشاء دولة وهمية تضمن لها الوصول إلى الواجهة الأطلسية، وتحجيم القوة الإقليمية للمغرب. ومع ذلك، يواجه هذا المشروع اليوم سقفا دوليا لا يمكن تجاوزه بفضل قرار مجلس الأمن رقم 2797 لسنة 2025، الذي رسخ الواقعية كمنطلق لإنهاء هذا النزاع الطويل.


