تغير تدريجي لكنه واضح بدأ يرسم ملامح جديدة لخريطة السياحة البريطانية، فوجهات مثل المغرب وتونس ومصر باتت تتقدم بثبات لتزاحم الوجهات الأوروبية التقليدية مثل إسبانيا والبرتغال، ليس فقط بسبب الأسعار، بل بفضل جودة التجربة التي أصبحت تضاهي، بل في بعض الأحيان تتفوق، على عروض الجنوب الأوروبي.
تقرير حديث لصحيفة الدايلي ميل البريطانية كشف عن هذا التحول اللافت، مبرزا أن الارتفاع الصاروخي للأسعار في وجهات أوروبية شهيرة، دفع بالبريطانيين إلى إعادة التفكير في خياراتهم السياحية، خصوصا في ظل التضخم المتزايد وتراجع القدرة الشرائية لدى الطبقة المتوسطة.
الطقس والتكلفة.. وصفة شمال إفريقيا لجذب السياح
الدراسة أوضحت أن شمال إفريقيا تقدم ثلاث ميزات جاذبة دفعة واحدة: الطقس الدافئ طوال السنة، ثقافة غنية ومتنوعة، وأسعار إقامة منخفضة دون المساس بجودة الخدمات، خصوصا في قطاع الفندقة والضيافة.
ووفق بيانات شركة Cirium، فإن الرحلات الجوية من مطارات بريطانيا نحو دول شمال إفريقيا ستصل هذا العام إلى نحو 19,847 رحلة، وهو ما يعادل أكثر من ضعف ما تم تسجيله سنة 2019، حين بلغ عدد الرحلات 8653 فقط.
في المقابل، الوجهات الأوروبية التقليدية تعرف نموا باهتا: زيادة بنسبة 10% فقط لإسبانيا، و9% للبرتغال، ما يدل على تغير مزاج السائح البريطاني بشكل ملحوظ.
المغرب ضمن أكثر الدول طلبا
التقرير كشف أن شركة TUI، إحدى كبريات شركات السفر الأوروبية، سجلت ارتفاعا بـ 30% في حجوزات البريطانيين إلى مصر، بينما وصفت الطلب على تونس بـ”النمو المزدوج”، أما المغرب، فقد عرف ارتفاعا قويا حسب توصيف التقرير.
والمثير أن موقع الحجز العالمي “Booking” سجل بين يناير وماي 2025، زيادة في البحث عن تونس بـ 68%، بينما سجل المغرب نموا بـ39% في معدل البحث مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، ما يعكس اتجاها واضحا نحو بلدان الجنوب المتوسطي.
هذا التحول لم يمر دون استثمار من الجانب المغربي. فالمكتب الوطني للسياحة سارع خلال الشهور الماضية إلى توقيع اتفاقيات استراتيجية مع فاعلين سياحيين بريطانيين، تهدف إلى رفع عدد السياح القادمين من المملكة المتحدة، عبر تعزيز الرحلات المباشرة وتحسين شروط الاستقبال.
ويأتي هذا ضمن رؤية مغربية طموحة تهدف إلى ترسيخ صورة المملكة كوجهة مفضلة للراحة والاستكشاف، في سياق عالمي يزداد تنافسا وتقل فيه وفرة السياح الأوروبيين بسبب متغيرات الاقتصاد العالمي.
لم يعد المغرب مجرد “خيار بديل” كما كان ينظر إليه في السابق، بل أصبح منافسا مباشرا لوجهات أوروبية عريقة، بفضل التنوع الثقافي، والتجربة الأصيلة، والبنية التحتية المتطورة، ومرونة الأسعار.
الموسم الصيفي لهذا العام سيكون حاسما في ترسيخ هذا التحول، ويبدو أن قطاع السياحة المغربي مطالب اليوم بالتقاط الإشارة وتحويلها إلى مكتسب استراتيجي دائم.