المنظرين ديال العشرينيات من القرن الماضي، وعلى الخصوص Pareto و Mosca درسوا بكثرة اشكالية تكوين النخبة داخل المجتمع، ودرسوا الآليات المجتمعية التي تمكن من ظهور النخبة في جميع الأدوار الاجتماعية…ودرسوا جميع أنواع النخبة من سياسية واقتصادية وعلميّة وثقافية…
وركز هؤلاء السوسيولوجيون على المسالك التي يسلكها الأفراد في البحث عن الوجاهة… الوجاهة التي تكتسب بالجد والجدية حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع…
وركز Preto و Mosca على ان النخبة تتكون إما عبر الوراثة داخل نفس العائلات مع إمكانية اضمحلالها وسقوطها واندثارها بمرور الوقت، أو عبر الاكتساب نتيجة الجد والاجتهاد والتفوق في دور معين من الأدوار الاجتماعية كالسياسية والاقتصاد والثقافة وغير ذلك…
من النخب التقليدية إلى نخب التواصل الاجتماعي
والمغرب، وهو يعيش الآن مخاضا اجتماعيا وتحولا اقتصاديا سريعا جدا ومتسارعا، فمن الطبيعي ان تتغير فيه النخب، وتتغير فيه أنواع الوجاهة المؤدية إلى دخول دائرة النخبة…
فمن النخب التقليدية المرتكزة على الإرث المادي والمعنوي الموروث عن تاريخ التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية للقرن تسعطاش، انتقلت بلادنا إلى التمييز خلال القرن العشرين بين نخب قروية اصطفت إلى جانب الملكية والنظام الملكي، ونخبة حضرية سمت نفسها وطنية تدحرج فكرها السياسي بين الإصلاح والمعارضة للنظام السياسي إلى ان انتهى بها المطاف إلى الإصلاحية والاندماج في المؤسسات السياسي…
في أواسط الثمانينات، وبعد الثورة الخمينية،.. وبعد الأزمة الاقتصادية التي عرفها المغرب نتيجة استثماراته في صحرائه والحرب التي فرضت عليه من طرف الجزائر،.. وبعد اندلاع حرب افغانستان وموجات الارهاب الاسلامي، بدأت أمور وأحوال النخب في المغرب تتحول وتتغير…
فاصبحت الوجاهة تدرك بمظاهر الانخراط في موجة “الصحوة الإسلامية” وما يتبعها من أعمال نضالية بالداخل،.. وأعمال ارهابية دولية بالخارج وبالداخل في بعض الأوقات…
فبدأت في الظهور أنواع جديدة من النخب المحلية والوطنية قوامها الانخراط داخل العوامل الجديدة الفاعلة في تكوين وظهور هذه النخبة…
أما وقد سادت وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح التجريد سيد الحياة الاجتماعية،.. وتراجعت وسائل التنشئة الاجتماعية التقليدية كالمدرسة والجامعة والإعلام،.. فقد تغيرت قنوات الصعود الاجتماعي،.. واضحى المتسلق على سلم الارتقاء الاجتماعي شبحا هلاميا يكتسب شهرته ووجاهته من الصورة التي يروجها عن نفسه… وبالنظر إلى غياب وسائل الضبط المجتمعي نتيجة سرعة الانتقال والتحول،.. ظهر معيار جديد للكسب المادي عبر أي شيء حتى ولو كان تفاهة وتهرگاويت،.. وحتى لو تطلب ذلك من الباحث عن الوجاهة ان يسوق لعورته ولتفاهته وللأمور التي كانت إلى عهد قريب تنزله إلى الحضيض المجتمعي في أعين المجتمع نفسه…
وهنا فليتنبأ المتنبؤن…فعبد ربه ما تنبأ قط ولن يتنبأ الآن… فهو يكتفي بالوصف والتوصيف والبحث عن ميكانيزمات التطور والتحول لا غير.
عبد اللطيف أكنوش