المغرب يقترب خطوة كبرى نحو تحقيق الريادة الصناعية في قطاع البطاريات، مع تصاعد مؤشرات تحوله إلى منصة عالمية لسلاسل التوريد المرتبطة بالطاقة النظيفة، في شراكة متقدمة مع الصين ووسط اهتمام أوروبي متزايد.
ففي يونيو 2024، لم يخف مدير قسم البطاريات في شركة فولكسفاغن، سباستيان وولف، حقيقة ما يجري خلف الكواليس حين قال: “لنكن واقعيين… منظومة تصنيع بطاريات LFP تبنى حاليا في المغرب، وليس في أوروبا”. هذا التصريح، الذي مر بصمت نسبي، يعكس بوضوح التوجه العالمي نحو المملكة كموقع مفضل للصناعات المستقبلية.
وبالفعل، لم يتأخر التفعيل العملي لهذا الطموح، إذ تم إطلاق أول مصنع لبطاريات “COBCO” بالمغرب، في حين تتواصل الأشغال لبناء أول “جيغا فاكتوري” لإنتاج البطاريات على صعيد القارة الإفريقية.
بين بكين وبروكسيل.. المغرب يعزز موقعه في سباق المعادن الاستراتيجية
السر لا يكمن فقط في الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب، بل في توفره على معادن استراتيجية تدخل في صلب صناعة البطاريات، منها الفوسفاط، الكوبالت، النحاس، المنغنيز، إضافة إلى مشاريع ناشئة لاستغلال الليثيوم والقصدير والمواد الأرضية النادرة.
تقرير حديث صادر عن “المعهد الإفريقي للسياسات البحثية” (APRI) ومقره في برلين وأبوجا، تناول بالتحليل شبكة العلاقات الثلاثية بين المغرب والصين والاتحاد الأوروبي في مجال المعادن الانتقالية، مؤكدا أن المغرب مؤهل ليلعب دور الممر الأساسي بين إفريقيا وأوروبا في هذا المجال.
المغرب لا يكتفي بالتعدين، بل يسعى لتوطين سلاسل التصنيع من خلال شراكات مباشرة مع شركات صينية، مثل مشروع “Falcon Energy” مع “Hensen” لإنتاج الغرافيت المنقى، أو مشروع “Tinci” لإنتاج مادة “هيكسافلوروفوسفات الليثيوم”، وهو عنصر أساسي في بطاريات الليثيوم.
لكن التحدي الأبرز، حسب التقرير، يكمن في السيطرة الصينية على تقنيات التصنيع. المغرب مطالب باقتناص فرص نقل التكنولوجيا عبر شراكات أعمق مع الصين، دون إغفال ضرورة تنسيق الجهود مع أوروبا، التي بدأت تتحرك لمواجهة التبعية للصين في سلاسل الإمداد.
وفي هذا السياق، يقترح التقرير بناء تعاون ثلاثي منظم بين بكين والرباط وبروكسيل، يشمل إنشاء صناديق استثمار مشتركة، برامج نقل تكنولوجيا موجهة، منصات تكوين الكفاءات المحلية، إضافة إلى تعزيز الاستثمارات في المناطق الصناعية المغربية.
خريطة الطريق التي اقترحها المعهد ترتكز على خمس مراحل: من تأسيس لجنة ثلاثية للمعادن، إلى إنشاء مراكز صناعية مشتركة، فاعتماد ميثاق مشترك للمعايير البيئية والاجتماعية، وصولا إلى تطوير “ممر مغاربي للمعادن الخضراء” في إطار اتفاقية ZLECAF، ثم إصدار قانون لتوطين الصناعات الخضراء وإنشاء معهد خاص للتكوين في المهارات المرتبطة.
ويراهن المغرب على هذا التوجه لتعزيز موقعه الصناعي، خصوصا أن مشاريع مهيكلة بدأت تظهر للعلن، من ضمنها مركز بيانات (Datacenter) ضخم في الداخلة، سيعمل بالكامل بطاقة متجددة قدرت بـ500 ميغاواط.
باختصار، المغرب لا يسابق الزمن فقط، بل يسابق الجغرافيا العالمية لتأمين موقع ريادي في قلب الصناعات المستقبلية، بذكاء تحالفاته، وجرأة رهاناته.
يسعدني تلقي رسائلكم على: ayoub.anfanews@gmail.com