وسط زخم التوجيهات الملكية التي دعت المواطنين إلى الامتناع عن ذبح أضحية العيد هذه السنة، تعيش جهة الدار البيضاء سطات مفارقة صارخة: الأسعار ترتفع، والطلب يتضاعف، وكأن قرار الإلغاء لم يسمع أو يحترم.
في مشهد لا يخلو من التناقض، اشتعلت أسعار الأغنام والعجول بشكل مفاجئ، إذ أكد عدد من مهنيي قطاع اللحوم الحمراء أن الارتفاع وصل إلى 1000 درهم في الرأس الواحد من الغنم، وهو ما يعكس حالة من الإقبال الغريب من طرف بعض المواطنين الذين بادروا إلى اقتناء الأضاحي وذبحها بشكل مبكر، خارج أي ضوابط أو منطق اقتصادي واضح.
اكتظاظ داخل المجازر الحضرية بالدار البيضاء، حسب ما أوردته مصادر مهنية، كشف عن تخوفات واسعة لدى المستهلكين من إغلاق هذه المرافق في يوم العيد، مما دفع الكثيرين إلى التسريع في عمليات الذبح.
لكن هذا الاندفاع الاستهلاكي لم يمر دون أن يخلف آثارا اقتصادية مباشرة، فقد سجلت أسعار لحم الغنم قفزة مقلقة من 60 إلى 90 درهما للكيلوغرام، ما أدى إلى حالة من الغضب لدى المواطنين، خصوصا أولئك الذين قرروا الالتزام بالقرار الملكي وامتنعوا عن شراء الأضحية.
يوسف الولجة، نائب الكاتب العام لبائعي اللحوم بالتقسيط في الجهة، أوضح أن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لـ”طلب غير مبرر”، وأضاف أن القرار الملكي كان فرصة للحفاظ على القطيع الوطني وتخفيف العبء عن الأسر، لكن سلوكيات بعض المواطنين أعادت إشعال الأزمة.
ولم يخف الولجة قلقه من نشاط “الشناقة” والمضاربين الذين استغلوا هذه الظروف للربح السريع، على حساب مصلحة المستهلك والكساب.
سلوك استهلاكي غير مسؤول يشعل الأسعار
من جانبه، أكد محمد جبلي، رئيس الفيدرالية المغربية لقطاع المواشي، أن اضطراب السوق ناتج عن هلع مجتمعي وتخوف من إغلاق المجازر، ما أدى إلى تسريع الذبح، حتى قبل حلول يوم العيد في بعض الحالات. واعتبر أن مبدأ العرض والطلب كاف لفهم هذا التصعيد غير المسبوق في الأسعار، لكنه في الآن ذاته دق ناقوس الخطر بشأن عشوائية السوق وضعف المراقبة.
ما يجري اليوم ليس مجرد اضطراب عابر في الأسعار، بل يعكس انقساما مجتمعيا حادا حول مفهوم التضحية والانضباط للمصلحة العامة. ففي وقت قرر فيه رأس الدولة إلغاء الشعيرة تخفيفا للأعباء الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين، وحماية للقطيع الوطني في محاولة لإعادة بناءه، فضل البعض الانخراط في سلوك استهلاكي مخالف وغير مسؤول، مسنودا بثقافة شعبية متجذرة ترفض التخلي عن طقس العيد، حتى وإن كانت الظروف استثنائية.
أما الخاسر الحقيقي، فهو المواطن البسيط، الذي وجد نفسه بين نارين: نار الأسعار الملتهبة، ونار الضغوط الاجتماعية، دون أي حماية مؤسساتية كافية من المضاربات أو جشع السوق.