وجه القائم بالأعمال الإسرائيلي في مدريد، “دان بوراز”، صفعة سياسية إلى الحكومة الإسبانية، حين صرح بشكل صارخ أن بلاده “تستبعد تماما” إسبانيا كوسيط محتمل في الأزمة المتصاعدة مع إيران، متهما مدريد بانعدام الحياد، وفاقدة لأي “وزن” على طاولة الوساطة الدولية.
في لقاء افتراضي جمعه بعدد من الصحفيين، لم يتردد بوراز في التعبير عن امتعاض بلاده من الموقف الإسباني، متهما الحكومة بـ”تجاهل الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير”، الذي وصفه بـ”التهديد الوجودي” لإسرائيل، بينما سارعت في المقابل لإدانة العملية العسكرية الإسرائيلية. وتابع بمرارة: “لم نسمع أي تعبير عن التضامن مع الضحايا الإسرائيليين، 24 مدنيا قتلوا في ذلك الهجوم”.
هذا التصعيد ليس منعزلا عن سياق أكثر توترا في العلاقات بين مدريد وتل أبيب، بدأ يأخذ منحى تصادميا منذ اعتراف الحكومة الإسبانية بدولة فلسطين، في 28 ماي 2024، إلى جانب إيرلندا والنرويج، في خطوة اعتبرت تاريخية على الصعيد الرمزي، لكنها تفجيرية على المستوى الدبلوماسي.
رد الفعل الإسرائيلي جاء سريعا: استدعاء السفيرة الإسرائيلية في مدريد للتشاور، وتعليق تسمية خلفها، في تجميد دبلوماسي يوحي بأن العلاقات الثنائية دخلت مرحلة “التبريد السياسي”.
وزاد الطين بلة تصريح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام البرلمان حين قال: “نحن لا نتاجر مع دولة ترتكب إبادة جماعية”. وهو تصريح ناري اعتبرته إسرائيل “تشهيرا علنيا”، وردت عليه باستدعاء السفيرة الإسبانية للاحتجاج الرسمي.
في الظاهر، تحاول إسبانيا تثبيت موقعها كفاعل أوروبي أخلاقي، متمسك بالقانون الدولي، مناصر للعدالة، ومؤيد للحق الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية في غزة. لكن على مستوى الحسابات الدبلوماسية الباردة، يبدو أن هذا الخطاب الأخلاقي، رغم استحسانه من بعض الأصوات الأوروبية والعربية، قد كلف مدريد نفوذها التقليدي كوسيط في صراعات الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، يحاول إطلاق مبادرة تهدئة بالتواصل مع كل من طهران وتل أبيب، جاءت تصريحات بوراز لتقوض المساعي وتعلن بصريح العبارة أن “الوسيط الوحيد القابل للثقة هو واشنطن، لا مدريد”.