لم يكن كثير من السائقين المغاربة يتوقعون أن تتحول مخالفة بسيطة إلى ورطة إدارية قد تمتد لأكثر من شهر. فبينما كان النقاش حول سلامة الطرقات يدور في فلك التوعية والبنية التحتية، جاءت الحكومة لتقر مرسوما جديدا قلب الموازين وأشعل فتيل الغضب داخل أوساط مهنيي النقل والمواطنين على حد سواء.
في خطوة وصفت بأنها الأشد منذ دخول مدونة السير حيز التنفيذ، صادق المجلس الحكومي مؤخرا على مشروع مرسوم قدمه نزار بركة وزير التجهيز والماء نيابة عن وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح. المشروع الجديد لم يأت فقط بغرامات، بل فتح الباب أمام إجراءات عقابية أكثر صرامة.
أكثر ما أثار الاستغراب هو إدراج “شهادة ملكية المركبة” ضمن الوثائق التي يمكن حجزها عند ارتكاب مخالفة. سابقا، كانت العقوبات تقتصر على رخصة السياقة والبطاقة الرمادية، لكن المرسوم الجديد جعل وثائق الملكية نفسها تحت رحمة شرطة المرور، ما اعتبره كثيرون تصعيدا غير مسبوق.
ثلاثون يوما دون سيارة.. ولو دفعت الغرامة!
المرسوم حدد بوضوح أن استرجاع الوثائق المحجوزة لا يتم قبل مرور 30 يوما كحد أدنى، حتى وإن سدد السائق الغرامة في الحين. هذا الإجراء أثار امتعاض سائقي سيارات الأجرة ونقل البضائع، الذين يعتمدون بشكل يومي على سياراتهم كمصدر رزق. “ماشي غرامة، هادي عقوبة اقتصادية”، هكذا عبر أحد السائقين عن غضبه.
ليس هذا فحسب، بل أصبح السائق ملزما باختيار نقطة استلام الوثائق إما من مكان سكناه أو من المركز الذي دفع فيه الغرامة، وهو ما وصفه عدد من المتتبعين بالإجراء “المعقد وغير العملي”، خصوصا في ظل التفاوت الجغرافي بين نقط التوقيف ونقط الاستلام.
بموجب القانون رقم 103.14،.. أصبحت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) الجهة الرسمية التي تشرف على تدبير ومراقبة المخالفات،.. ما يعني تقليص دور وزارة النقل. الحكومة تقول إن الأمر يدخل ضمن إصلاح شمولي للمنظومة،.. لكن بعض المهنيين يرون أن تعزيز سلطات “نارسا” قد يزيد من الضغط الإداري على المواطن.
رغم تأكيد الحكومة أن الهدف من هذه التعديلات هو تقليص حوادث السير وتنظيم المجال الطرقي،.. إلا أن الأصوات الرافضة ارتفعت، مطالبة بإعادة النظر في المرسوم. السائقون يشعرون بأن القانون لا يراعي الواقع المعيشي ولا التفاوتات الاقتصادية،.. خاصة في ظل الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة.