تشهد مدينة الدار البيضاء استعدادات غير مسبوقة لإعادة تشكيل خارطتها التجارية، في خطوة وصفت بالجريئة، تقودها العمدة نبيلة ارميلي، وتشمل إعادة هيكلة بعض أكبر الأسواق وأكثرها رمزية، مثل درب غلف ودرب عمر، بالإضافة إلى ترحيل عدد من أسواق الجملة من سيدي عثمان نحو حد السوالم.
في لقاء إذاعي، كشفت ارميلي أن مشروع إعادة تصميم سوق درب غلف يندرج ضمن تصور جديد يعطي لهذا الفضاء التجاري الشهير حلة مغايرة، تراعي الحفاظ على هويته، لكن بشكل أكثر تنظيما وملاءمة للمعايير الحضرية الحديثة. السوق، المقام حاليا فوق عقار خاص، ينتظر أن تنتقل ملكيته إلى مجلس المدينة قصد إطلاق عملية التثمين.
إبقاء محلات درب عمر للعرض فقط
أما درب عمر، قلب التجارة بالجملة في المغرب، فسيعرف هو الآخر تغييرا جوهريا، ليس على مستوى الواجهة، بل في بنيته اللوجستيكية. فالشاحنات التي كانت تملأ الأزقة لن يسمح لها مستقبلا بالمرور بسبب الطرامواي، وسيتم نقل مخازن البضائع إلى منصة لوجستيكية جديدة في مديونة، فيما ستبقى المحلات بمثابة واجهات عرض فقط (Showroom)، وفق ما أعلنته العمدة.
لكن ما يجري في سيدي عثمان خلق توترا كبيرا بين المهنيين، بعد شروع مجلس المدينة في إجراءات ترحيل أسواق حيوية كـ”مارشي كريو”، سوق السمك، المجازر البلدية وسوق الدواجن، إلى المنطقة الصناعية حد السوالم. القرار يأتي في إطار مشروع إنشاء قطب تكنولوجي ضخم تحت اسم كازابلانكا تك فالي.
هذا الترحيل قوبل برفض واسع من طرف التجار، الذين وصفوه بضربة قاصمة لفئات هشة ظلت لسنوات تعتمد على هذه الأسواق، كما أن نقلها يمثل، حسب تعبيرهم، نهاية لنمط اقتصادي واجتماعي نسجته عقود من العمل المشترك.
مصدر مقرب من الجماعة نفى وجود أي نية لترحيل أسواق مثل القريعة أو كراج علال، مؤكدا أن خطة الترحيل تقتصر فقط على أسواق الجملة الكبرى، في حين ستظل الأسواق الشعبية على حالها.
يذكر أن أسواق مثل القريعة وكراج علال تحقق معاملات ضخمة سنويا، وتعد وجهة رئيسية لآلاف المغاربة الباحثين عن سلع بأسعار تنافسية، لكن تنظيمها ظل معلقا لسنوات في ظل ضعف البنية وخدمات النظافة والمراقبة.
وبين من يعتبر هذا التوجه خطوة نحو بناء “ميتروبول نظيف وحديث”، ومن يرى فيه تهديدا لبنية اقتصادية اجتماعية متجذرة، تبقى الدار البيضاء مقبلة على مرحلة تحول حضري عميق قد يعيد صياغة علاقة الساكنة بأسواقها التقليدية.