الأكثر مشاهدة

ملاعب المونديال: استثمار أم ترف؟ تفكيك خطاب “آش خاصك آ العريان”

مع إعلان المغرب عن ورش ضخم لبناء وتأهيل ملاعب رياضية استعدادا لاستضافة كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، عاد إلى الواجهة خطاب عدمي قديم يختصر في عبارة “آش خاصك آ العريان.. المونديال آمولاي”. هذا النقد، الذي يمزج بين السخرية واليأس، يرى في هذه المشاريع الرياضية نوعا من الترف غير المبرر في ظل وجود تحديات اجتماعية كبرى كالتعليم والصحة. ولكن هل هذا الخطاب دقيق وعقلاني؟ وهل يصح منطق “إما هذا أو ذاك”؟

فخ المقارنة السطحية

إن الفكرة الأساسية لهذا النقد تقوم على مقارنة سطحية بين قطاعين مختلفين تماما، وتفترض أن ميزانية الدولة هي “كعكة” واحدة، إذا أخذت منها قطعة للرياضة، فإن ذلك يعني بالضرورة حرمان قطاع آخر كالصحة أو التعليم. هذا الافتراض خاطئ. فالميزانية العامة للدولة تقسم إلى قطاعات مستقلة، لكل منها تحدياته الخاصة وخططه الاستثمارية المنفصلة. إن فشل قطاع معين في تحقيق أهدافه لا يعالج بتجريد قطاع آخر من استثماراته، بل بمعالجة أسباب الفشل في ذلك القطاع نفسه. تطوير ملعب حديث مثل ملعب الأمير مولاي عبد الله هو استثمار في قطاع الرياضة، وهو لا يمنع بالموازاة من الاستثمار في بناء مدرسة أو مستشفى، بل يجب أن يتم العمل على كليهما في نفس الوقت.

بعيدا عن كونه مجرد مكان للعب كرة القدم، فإن الملعب الحديث يمثل محركا اقتصاديا واجتماعيا. تنظيم حدث عالمي مثل كأس العالم يعني:

- Ad -
  • خلق فرص عمل: سواء في مراحل البناء أو في مرحلة الاستضافة، حيث يتم توظيف آلاف العمال والتقنيين والمهنيين.
  • تنشيط السياحة: المونديال يجذب ملايين السياح من مختلف أنحاء العالم، مما يزيد من إيرادات الفنادق والمطاعم وقطاع النقل، ويدر عملات صعبة على البلاد. كما يروج علامة المغرب في العالم كما حدث في مونديال قطر، حيث نمت السياحة بشكل كبير جدا في المملكة بسبب وصول أسود الأطلس إلى نصف نهائي كأس العالم.
  • تعزيز البنية التحتية: المشاريع الرياضية الكبرى لا تقتصر على الملاعب فقط، بل تشمل أيضا الطرق، السكك الحديدية والمطارات والفنادق، مما يترك إرثا دائما يخدم المواطنين لعقود قادمة.

ووفقا للعديد من الخبراء فإن هذه المشاريع ليست “ترفا” بل هي استثمارات مدروسة تهدف إلى تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية على المدى الطويل، وتساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتوفير مداخيل إضافية للدولة يمكن أن تستثمر لاحقا في قطاعات أخرى.

تطوير القطاعات بالتوازي.. مفتاح التقدم الحقيقي

إن الخطاب “العدمي” الذي يركز على الانتقاد دون تقديم حلول بديلة هو خطاب عاجز. إن التقدم الحقيقي لا يكمن في تعطيل قطاع ما من أجل إنقاذ قطاع آخر، بل في التخطيط المتكامل الذي يسمح بتطوير جميع القطاعات بالتوازي.

يمكن بناء مستشفيات حديثة وتجهيزها بأفضل المعدات، وفي نفس الوقت بناء ملاعب بمعايير عالمية.

يمكن تحسين جودة التعليم وتقديم برامج دراسية متطورة، وفي نفس الوقت استضافة أحداث رياضية عالمية تعزز صورة المغرب دوليا.

لذلك، يجب أن نرفض منطق الاختيار بين “الخبز” و “المونديال” لأنهما ليسا متناقضين. إن امتلاك المغرب لملاعب حديثة هو خطوة نحو تطوير الرياضة والاقتصاد، بينما يبقى العمل على حل مشاكل التعليم والصحة أمرا ضروريا لا يمكن التنازل عنه. المطلوب هو أن نعمل على كل الجبهات في نفس الوقت، لأن هذا هو المسار الوحيد نحو التنمية الشاملة.

مقالات ذات صلة