في سيدي مومن، حيث تنسج الأزقة ملامح حياة قاسية، ولد مشروع أسواق “السلام” من رحم الأمل. حينها، قيل إن هذا المشروع سيكون ضوءا يبدد عتمة الفوضى الاقتصادية التي تعصف بأحياء المنطقة. وعدت الفكرة بتحويل أرصفة مشبعة بالفوضى إلى فضاءات منظمة، تمنح الباعة المتجولين فرصة لمزاولة تجارتهم في ظروف تحفظ كرامتهم. كان حلما بأن يتحول الصخب العشوائي إلى نظام، وأن ينمو اقتصاد محلي جديد يزدهر على أنقاض التهميش. ومع ذلك، لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى بدأ هذا الحلم يبهت، متواريا خلف جدران مغلقة وساحات خاوية.
لكن سرعان ما بدأ هذا الحلم يتلاشى شيئا فشيئا. فقد تحولت الأسواق، التي شيدت على عجل تحت مظلة “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، إلى بنايات صامتة أبوابها موصدة، شاهدة على فشل مقاربة لم تستوعب حقيقة الميدان. مصادر محلية أكدت أن الهدف كان واضحا: القضاء على الفوضى، تنظيم القطاع غير المهيكل، ومنح التجار فضاء حضاريا مستقرا. غير أن النتيجة كانت عكس ذلك تماما.
يوسف سميهرو، عضو مجلس مقاطعة سيدي مومن، لم يتردد في كشف المستور. فقد أقر بأن الأسواق وُلدت من فكرة نبيلة، لكنها اصطدمت بعقبة جوهرية: عدد المستفيدين فاق بكثير الطاقة الاستيعابية. والنتيجة؟ احتجاجات صاخبة، صراعات بين الأطراف، وعودة الباعة إلى الأرصفة بحثا عن لقمة العيش، بينما بقيت الأسواق شاهدة على إخفاق جماعي.
ميزانيات أنفقت، مشاريع إعادة تأهيل انطلقت ثم تعثرت، وشراكات تم توقيعها ثم ظلت حبيسة الأدراج. وفي كل مرة، يعود المشهد إلى النقطة الصفر: أبواب مغلقة، ومساحات فارغة، وساكنة متعطشة لمرافق تجارية منظمة.
اليوم، ومع توقيع اتفاقية رباعية جديدة بين مجلس جهة الدار البيضاء سطات، وعمالة الدار البيضاء، وشركة العمران، والمجلس الجماعي، تتجدد الآمال بأن تنبض هذه الأسواق بالحياة مجددا. لكن الأمل وحده لا يكفي. فنجاح هذه الخطوة مرهون بوجود إرادة حقيقية، وتصور شامل يأخذ بعين الاعتبار واقع التجار ومعاناتهم، ويعيد لهم الثقة التي فقدوها في الوعود المتكررة.