الأكثر مشاهدة

المغرب يستفيق على خطر يتربص بشواطئه: استغلال غير مشروع يهدد 600 كلم من الساحل

لم يعد البحر المغربي في أمان. ما يشبه تسونامي صامت يجتاح سواحله، ليس فقط من الأمواج، بل من جشع الإنسان، من الفوضى القانونية، ومن احتلالات غير مشروعة تقضم المتر تلو الآخر من الملك العمومي البحري. لكن الدولة قررت أخيرا أن تطلق صفارة النهاية لهذا العبث.

في خطوة طال انتظارها، نظمت وزارة التجهيز والماء، يوم الثلاثاء 20 ماي 2025، يوما دراسيا وطنيا في العاصمة الرباط، لمواجهة التحديات الكبرى التي تهدد السواحل المغربية. وكان هذا اللقاء مناسبة لتشخيص دقيق للواقع، وتقديم أدوات رقمية وتقنية حديثة لضبط وتتبع ما يحدث على الشريط الساحلي الممتد على أكثر من 3500 كيلومتر.

وحسب المعطيات الرسمية، فإن 18% من السواحل المغربية – أي أكثر من 600 كلم – باتت مهددة بأخطار طبيعية مباشرة مثل التآكل والغمر البحري وزحف الرمال.
المناطق الأكثر تضررا تشمل الوسط الساحلي لسيدي إفني، السواحل المحاذية لمحطة توليد الكهرباء في آسفي، إضافة إلى أجزاء من الرباط وسلا وهرهورة وتمارة، حيث تظهر الدراسات أن مؤشرات الخطر تجاوزت المعدلات المقبولة.

- Ad -

لكن الأخطر من ذلك، هو الاستغلال غير المشروع للملك العمومي البحري، سواء عبر البناء العشوائي أو الاستيلاء على الأراضي الساحلية، أو حتى نهب الرمال من الشواطئ. وهذا ما دفع الوزارة، بتنسيق مع وزارة الداخلية، إلى تنفيذ عمليات تحرير واسعة على امتداد سواحل مثل تيفنيت جنوب أكادير، عبر لجان إدارية مختلطة تنفذ الهدم الفوري للمباني المشيدة فوق الملك العمومي.

ولتحقيق مراقبة صارمة، تم تفعيل نظام رصد بالأقمار الاصطناعية، من خلال صور ملتقطة بدقة عالية من القمر الصناعي محمد السادس، وهو ما يتيح رصد أي تغييرات في الشريط الساحلي في وقت قياسي، سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن تدخل بشري غير قانوني.

457 مليون درهم لحماية سواحل المغرب.. لكن التفعيل القانوني يظل الرهان الأكبر

457 مليون درهم تم ضخها خلال السنوات الأربع الأخيرة لحماية الساحل، عبر مشاريع بنيوية تهم تقوية البنية التحتية ومراقبة التحولات الساحلية وإعداد خرائط متقدمة ترصد نقاط الخطر.

لكن الحماية لا تكتمل بدون الترسيم القانوني. وقد وصلت نسبة التحديد الإداري للملك العمومي البحري إلى 79%، وهي خطوة تعد أساسية لضمان الحماية القانونية ومنع أي تزوير أو تحايل على الملكية العقارية.

من جهتها، أوضحت سناء العمراني، مديرة الموانئ والملك العمومي البحري، أن الوزارة أعدت خريطة وطنية للمخاطر الساحلية، وشرعت في إعداد “أطلس للفرص البحرية” لكل منطقة، لتوجيه الاستثمار الساحلي نحو أنشطة مستدامة تراعي التوازن الإيكولوجي وتجنب الكوارث.

غير أن نداءات الإنذار لم تتوقف عند المسؤولين التنفيذيين. فقد وجه خليل بنسامي، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، انتقادات شديدة لضعف التنسيق المؤسساتي، معتبرا أن “تعدد المتدخلين وتضارب المخططات” يُعقد أي تدخل عقلاني لحماية الساحل.

في هذا السياق، قدّمت الوزارة مشروعا قانونيا جديدا لتقنين استغلال الرمال، يهدف إلى حصر التراخيص في المناطق غير الهشة، ومنع الاستغلال العشوائي الذي يتسبب في انهيارات خطيرة.

ومع كل هذه الخطوات، يبقى الرهان الحقيقي على تفعيل المادة 46 من قانون الساحل، والتي تسمح بإيفاد أعوان محلفين لرصد المخالفات وإيقافها فورا. فبدون مراقبة ميدانية مستمرة، لا معنى لأي قانون.

وبين أمواج البحر وأنياب البشر، يبدو أن المغرب قرر أخيرا أن يستعيد شواطئه، ليس فقط من التهديدات الطبيعية، بل أيضا من الفوضى، الإهمال، والسطو المقنن. والبحر، بعد سنوات من الصمت، ينتظر الإنصاف.

مقالات ذات صلة