الأكثر مشاهدة

الفصل 507 من القانون الجنائي.. الحقيقة التي تغيب عن الرأي العام

في الأيام الماضية، انتشر نقاش واسع على منصات التواصل حول الفصل 507 من القانون الجنائي المغربي، وكأن الأمر يتعلق بنص قانوني جديد أضيف لمواجهة ظاهرة “الكريساج” أو التهديد بالسلاح الأبيض. لكن الحقيقة أن هذا الفصل ليس وليد اللحظة، بل وضع منذ أكثر من نصف قرن، وظل ضمن ترسانة التشريعات الزجرية في المغرب دون أن يسحب أو يعدل.

الفصل المذكور لا يترك مجالا للبس، إذ يشدد العقوبة على أي فعل إجرامي يرتكب باستخدام سلاح أبيض، أو دراجة نارية، أو عنف مرفوق بتهديد أو في الليل أو بكسر الأبواب أو تسلق الجدران. كل هذه الأفعال موصوفة بدقة في القانون، لكن ما تغير اليوم ليس النص، بل حجم الاهتمام به فقط.

المشكل إذن ليس في القانون، بل في التطبيق
منذ سنوات، يشتكي المواطنون من تكرار الاعتداءات في الفضاءات العامة، لكن الحقيقة المرة أن النصوص القانونية موجودة، غير أن تفعيلها على الأرض غالبا ما يعتريه التراخي. الشرطي لا يتدخل إلا بعد تفاقم الوضع، والقضاء لا يحرك إلا إذا هز الرأي العام. أما المشرع، فهو يعلم أن النص قائم ولا حاجة لتعديله.

- Ad -

من الأخطاء المنتشرة في الخطاب العام أيضا، أن يطالب البعض بإنزال العقوبة على أولياء أمور القاصرين إذا ما ارتكب هؤلاء جرائم. هذا الطرح يتعارض بشكل صارخ مع أحد أقدس مبادئ العدالة الجنائية: “شخصية العقوبة”. لا يعاقب أحد عن فعل لم يرتكبه، لا أخلاقيا ولا قانونيا ولا دينيا، فالله نفسه قال: ولا تزر وازرة وزر أخرى.

لكن، هل هذا يعفي الأهل من كل مسؤولية؟ طبعا لا. في القانون المدني، يمكن تحميلهم المسؤولية التعويضية عن الأضرار التي يتسبب فيها أبناؤهم القاصرون، وهو ما ينظمه الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود. هنا، لا نتحدث عن العقوبة، بل عن جبر الضرر.

بين الخطأ المدني والجريمة الجنائية.. حدود لا يجب خلطها


الخلط بين المسؤولية الجنائية والمدنية ليس تفصيلا تقنيا، بل مسألة جوهرية في تحقيق العدالة. فإذا ارتكب طفل جريمة، فالعقوبة الجنائية لا تطال غيره. أما إذا تسبب في ضرر مادي أو جسدي، فإن والده يتحمل تبعات ذلك مدنيا، لأنه أخل بواجب الرقابة والتربية.

في حالات كثيرة، تسجل مخالفات مرورية بناء على أن السيارة تعود لشخص معين، وكأن ملكية السيارة تعني تلقائيا ارتكاب المخالفة. هذا أيضا ضرب لمبدأ شخصية العقوبة، إذ يجب على السلطات أن تثبت بالدليل من كان وراء المخالفة، لا أن تفترض ثم تطالب المتهم بإثبات العكس.

خلاصة القول، هي أن الفصل 507 ليس اختراعا جديدا، بل قانون قديم يتم تجاهله حتى يثار الإعلام حوله. والمشكلة لا تكمن في النصوص، بل في غياب التنفيذ، والخلط بين المفاهيم، والاستجابة للمزاج الشعبي لا للمبادئ الدستورية والقانونية.

مقالات ذات صلة