في الوقت الذي تتعاظم فيه المخاوف من ندرة المياه وارتفاع كلفة الطاقة، تسير المغرب نحو اكتشاف استعمال جديد لمورده الطبيعي الاستراتيجي: الفوسفاط. فبعد دوره المحوري في صناعة الأسمدة، واندماجه في تصنيع بطاريات الليثيوم، يكشف بحث علمي حديث عن استخدام ثالث واعد: استخراج اليورانيوم من الفوسفاط لتغذية مفاعلات نووية مخصصة لتحلية مياه البحر.
البحث، الذي أنجزه مختبر الفيزياء النووية والذرية والجزيئية التابع لكلية العلوم بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، ونشر في دورية Radiation Physics and Chemistry، يقترح حلا مزدوجا لأزمتين خانقتين: الجفاف المتصاعد، والاعتماد المفرط على مصادر الطاقة الأحفورية.
أزمة الماء… وانفراج ممكن من قلب الفوسفاط
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نصيب الفرد المغربي من المياه العذبة تراجع إلى ما دون 600 متر مكعب سنويا، وهو ما يصنف المملكة ضمن الدول التي تعاني من “ندرة مائية حادة”. ومع تزايد الطلب من طرف الزراعة والمدن والصناعات، لم يعد خيار تحلية مياه البحر ترفا، بل ضرورة حيوية.
لكن تكاليف الطاقة المرتفعة تقف عائقا أمام تعميم هذه التقنية. وهنا تقترح الدراسة النووية بديلا واعدا: استخدام حرارة المفاعلات النووية في تحلية مياه البحر، ما يوفر طاقة نظيفة ومستدامة، ويقلص من التكاليف البيئية والاقتصادية التي تفرضها المحطات الحرارية التقليدية.
الدراسة كشفت أن المغرب يختزن ما يناهز 6.9 ملايين طن من اليورانيوم غير التقليدي داخل صخور الفوسفاط، ما يضعه في صدارة الدول عالميا من حيث هذا النوع من الاحتياطي. هذا اليورانيوم لا يوجد على شكل خامات معدنية منفصلة، بل كشائب دقيقة داخل تركيبة الفوسفاط، تذوب أثناء المعالجة الصناعية، خاصة في إنتاج الحمض الفوسفوري، المادة الأساس في صناعة الأسمدة.
ما يعني، وفقا للدراسة، أن المغرب ليس بحاجة إلى فتح مناجم نووية جديدة،.. بل يمكنه ببساطة استخلاص هذا الوقود الثمين من سلسلة الإنتاج الحالية، لو توفرت التقنيات والدعم الصناعي اللازم.
يقترح الباحثون ثلاث تقنيات رئيسية:
- الاستخلاص بالمذيبات: الأكثر شيوعا، تعتمد على إذابة اليورانيوم في الطبقة العضوية،.. لكنها قد تكون ملوثة للبيئة.
- التبادل الأيوني: أدق وأنظف، لكنها مكلفة على المدى البعيد.
- الأغشية النانوية والتناضح العكسي: أكثر كفاءة وصديقة للبيئة، لكنها لا تزال قيد التطوير.
فرص وطنية في مواجهة تحديات كبرى
يمثل هذا المشروع فرصة استراتيجية غير مسبوقة للمغرب، إذ يفتح الباب أمام:
- الاستقلال الطاقي بتقليل الاعتماد على واردات الوقود النووي؛
- تأمين المياه العذبة عبر مشاريع التحلية النووية؛
- تعزيز المكانة الجيو-اقتصادية للمملكة في سوق الطاقة العالمية؛
- تنمية صناعية تربط الفوسفاط بالتكنولوجيا النووية المتقدمة.
لكن في المقابل، لا تخفي الدراسة التحديات المرتبطة بارتفاع الكلفة الأولية،.. وحاجيات البنية التحتية، والمخاوف البيئية والتشريعية من النفايات المشعة.
في ظل تسابق دولي نحو الطاقات البديلة، يعرض الفوسفاط المغربي نفسه مجددا كرافعة للتنمية المستدامة. فهل تنجح الدولة في تحويل “اليورانيوم الخفي” إلى سلاح استراتيجي لمواجهة شح الماء وغلاء الطاقة؟ أم أن الأمر سيظل حبيس المختبرات العلمية والتقارير الدولية؟


