في ضواحي المحمدية، وتحديدا بمنطقة سيدي موسى بن علي، تتنفس الأرض تلوثا وتصرخ المياه طلبا للنجدة. هناك حيث اختفت شبكة الصرف الصحي، تحولت الشوارع إلى بحيرات آسنة، تنبعث منها روائح خانقة وتزحف منها أسراب الحشرات، بينما يقف السكان على حافة كارثة بيئية وصحية تتوسع بصمت.
الأحياء التي كانت قبل سنوات تنبض بالحياة الريفية البسيطة، أصبحت اليوم بؤرا لتجمع المياه العادمة التي تتسرب إلى التربة والمجاري المائية، ملوثة الهواء والماء معا.الوضع بلغ مرحلة تنذر بانفجار أزمة صحية حقيقية، خصوصا مع ارتفاع حالات الأمراض الجلدية والتنفسية وسط الأطفال وكبار السن. “نعيش وسط الروائح الكريهة والبعوض والأمراض… وكأننا خارج خريطة الوطن”، يقول سعيد أفعداس، فاعل جمعوي بالمنطقة، بنبرة غاضبة تخفي وراءها تعب سنوات من الوعود المؤجلة.
الأخطر من ذلك، أن المياه العادمة اختلطت بمياه السقي التي تعتمد عليها مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية بالمنطقة، لتتحول دورة الحياة الفلاحية إلى دورة تلوث متكاملة. الفلاحون يجدون أنفسهم اليوم أمام معادلة مستحيلة: إما سقي محاصيلهم بمياه ملوثة، أو ترك الأرض عطشى. “بعض الأودية أصبحت مجاري للصرف الصحي، والمياه التي تسقي الأرض اليوم قد تكون سببا في تسميم ما نأكله غدا”، يقول موسى، أحد فلاحي سيدي موسى بن علي.
الحديث عن الأمن الغذائي المحلي لم يعد ترفا، بل أصبح ضرورة، بعدما أصبحت المنتوجات الفلاحية في خطر، والتربة تفقد خصوبتها يوما بعد آخر، وسط لامبالاة رسمية تغلفها شعارات التنمية والتهيئة الحضرية.
ميزانيات ترصد.. ومشاريع لا تنفذ
رغم أن مشكل الصرف الصحي كان ضمن برامج الجماعة المحلية في أكثر من مناسبة، إلا أن التنفيذ ظل مجرد حبر على ورق. السكان والجمعيات يكررون النداء ذاته منذ سنوات، دون أن يجد صداه في مكاتب المسؤولين أو قاعات الاجتماعات المغلقة. “المشكل ليس في غياب الأموال، بل في غياب الإرادة والرؤية”، يضيف أفعداس، منتقدا ما سماه “التدبير الارتجالي” الذي جعل المنطقة تدور في حلقة مفرغة من التهميش والتلوث.
سيدي موسى بن علي اليوم أمام ساعة بيئية صفراء، حيث يتقاطع الخطر الصحي مع تهديد الموارد المائية والفرشة الجوفية، في منطقة تعتمد أساسا على الزراعة كمورد رزق أساسي.
الساكنة تطالب بمشروع استعجالي لإنشاء شبكة صرف صحي متكاملة وربطها بمحطات معالجة فعالة، قادرة على حماية البيئة وصحة الإنسان معا.