انطلقت السلطات المغربية في سباق طويل لتقليص الاعتماد على النقد “الكاش”، لكنها حتى الآن لم تقطع سوى خطوات متواضعة أمام جبل من التحديات. فبين محاولات تشجيع الدفع الإلكتروني، وتوسيع مظلة الشمول المالي، يبقى “الكاش” سيد المعاملات اليومية لدى المواطنين.
بحلول نهاية مارس 2025، بلغ حجم النقود المتداولة في السوق حوالي 437 مليار درهم، ما يعادل نحو 47 مليار دولار. الرقم لا يعكس فقط ازدهار التداول النقدي، بل يسلط الضوء على قفزة مثيرة بنسبة 65% مقارنة بخمس سنوات فقط، بحسب بيانات بنك المغرب.
هذا الحجم الهائل يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تصنف من بين الأعلى في العالم. والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، وصف الوضع بـ”الخطير”، مؤكدا أنه يجب تغييره بشكل جذري. وأعلن عن تشكيل لجنة تضم بنوكا وخبراء لدراسة الظاهرة واقتراح حلول قابلة للتنفيذ.
لكن لماذا هذا الإصرار الشعبي على “الكاس”؟
المفسرون كثر، وأولهم محمد الشيكر، الخبير الاقتصادي، الذي أشار إلى أن المغاربة يفضلون التعامل نقدا لتجنب الضرائب، ولأن جزءا كبيرا منهم لا يملك دخلا ثابتا أو يفتقر للثقافة البنكية. كما أن التعليم المحدود والأمية الرقمية يعيقان انتشار الحلول الحديثة.
ومن جهة أخرى، يحتضن الاقتصاد المغربي قطاعا غير رسمي يبتلع حوالي 30% من الناتج المحلي، يتعامل بشكل شبه كلي بالنقد، ما يصعب على الدولة فرض الرقابة الجبائية أو تتبع الأموال المتداولة، وهو ما يفتح الباب لمخاطر مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حسب تحذيرات البنك المركزي.
في المقابل، لم تلجأ السلطات المغربية إلى فرض ضريبة على استعمال النقد أو تغيير شكل العملة كما فعلت دول أخرى. الجواهري يرى أن استخدام الكاش “حق للمواطن”، لكن هذا الحق يكلف الاقتصاد كثيرا، ويعقد مهمة مراقبة الأموال.
على مستوى الحلول، يبرز الدفع الإلكتروني كطريق واعد لكنه شاق. ليلى سرحان، مسؤولة إقليمية في شركة “فيزا”، تدعو لتوسيع استعمال الدفع غير النقدي خصوصا في قطاعات حيوية كالنقل العمومي، حيث يجري تداول مبالغ ضخمة يوميا.
هذا الطرح يتقاطع مع رؤية ياسين ركراكي من شركة “وورلد لاين”، الذي يربط تقليص الكاش بربط وسائل النقل، والمحلات الصغيرة، والبقالة، بنظام أداء رقمي بسيط ومجاني.
وفيما يشكل صغار التجار أكثر من 95% من النسيج الاقتصادي المغربي، تظل قدرتهم على تبني التحول الرقمي محدودة، ما يفرض على الدولة تقديم حوافز ضريبية وتخفيض الكلفة.
الرؤية المستقبلية تشمل أيضا مشروع العملة الرقمية للدرهم، حيث أعلن بنك المغرب الانتهاء من إعداد قانون لتقنين العملات المشفرة، وتفكيره في إطلاق درهم رقمي خلال السنوات المقبلة، بتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
ركراكي، أحد العاملين على مشروع “اليورو الرقمي”، يعتقد أن النقود الورقية “مكلفة، غير نظيفة، وخطرة”، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا بتغيير شامل في الثقافة الاقتصادية، تقوده البنوك والشركات والدولة معا.
ورغم أن الموعد يبدو بعيدا، فإن تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 قد يدفع نحو تسريع هذا التحول، لضمان تجربة متقدمة للزوار والمستثمرين، تبدأ من جيوبهم.