أصبح شراء الأضحية في المغرب تقليدا مقدسا لدى العديد من الأسر، إلى درجة تفوق أحيانا الالتزام بالفرائض الدينية. هذا التحول إلى تقديس الأضحية وعيد الأضحى يعكس تأثرا ثقافيا واجتماعيا أكبر من ارتباطه بالدين نفسه. من المهم التذكير بأن شعيرة الأضحية هي سنة مؤكدة وليست فريضة، وبالتالي فإن الالتزام بها يجب أن يكون مراعيا للظروف الشخصية والاقتصادية للأفراد.
يجب أن ندرك أن الشعائر الدينية، ومنها الأضحية، ينبغي أن تكون مصدر فرح وسعادة لا عبء وضغط اجتماعي. تحول الأضحية إلى مصدر عناء للفئات المستضعفة في المجتمع يدعو إلى إعادة التفكير في هذه الممارسة. يكفي أن نعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب وأبا بكر الصديق، وهما من أعظم الصحابة، لم يضحيا خلال بعض السنوات، وذلك مراعاة للمصلحة العامة وتجنبا لإثقال كاهل الناس بسنة ليست بواجب في الأساس.
مظاهر سلبية مرافقة لشعيرة عيد الأضحى
في كل عام، نشهد مع اقتراب عيد الأضحى مظاهر سلبية تترافق مع شعيرة الأضحية. الكثير من الناس يقترضون المال لشراء الأضحية، وهو ما يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي التي تشترط امتلاك قوت عام كامل للتضحية. البعض الآخر يضطر لبيع أثاثه المنزلي أو حتى اللجوء إلى السرقة لتأمين الأضحية، مما يعكس حالة من الضغوط الاجتماعية والنفسية التي لا ينبغي أن تكون موجودة في مناسبة دينية.
إقرأ أيضا: بنحمزة: يمكن أن يشترك 7 أشخاص في أضحية واحدة والشرع لا يكلف الفقير
بجانب ذلك، نشهد استغلالا تجاريا كبيرا لهذه الشعيرة، حيث يستغل السماسرة والتجار تقديس المجتمع لها لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر. في بعض الحالات، تؤدي هذه الضغوط إلى تشتت الأسر وتوتر العلاقات بين أفرادها، خاصة إذا لم يتمكن الزوج من تلبية توقعات شراء الأضحية.
ضرورة العودة إلى الأصول
نزع القدسية عن شعيرة الأضحية وإعادتها إلى سياقها الصحيح كأحد السنن المؤكدة، وليس كفريضة،.. هو أمر ضروري. ينبغي على المجتمع أن يفهم أن التضحية سنة يؤجر فاعلها ولا يأثم تاركها،.. وهو ما أثبته العديد من الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة الكرام. إن إدراك هذه الحقيقة يساعد في تخفيف الضغوط الاجتماعية والمادية عن الأسر،.. ويعيد التركيز إلى الجوهر الحقيقي للشعيرة، وهو الإحسان والتضامن الاجتماعي.
لقد ترك العديد من الصحابة الأضحية رغم قدرتهم عليها، ليس لزهد في السنة،.. ولكن خشية أن يظن الناس أنها واجبة عليهم. فقد روى البيهقي عن أبي سَريحة الغفاري،.. قال: “أدركت أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما”. وصحح هذا الحديث العديد من العلماء،.. مما يؤكد على أن التضحية ليست واجبة، وأن تركها لسبب مشروع لا يترتب عليه إثم.
في ضوء هذه الدروس، يجب علينا كأفراد وجماعات أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع شعيرة الأضحية،.. وأن نحرص على تطبيقها بما يتوافق مع إمكانياتنا وظروفنا، دون أن نجعل منها عبئا ماليا أو اجتماعيا. يجب أن نفهم أن الأهم في عيد الأضحى هو روح التضامن والإحسان، وليس مجرد امتلاك الأضحية.
إن إعادة تقييم شعيرة الأضحية والتوعية بأصولها الحقيقية هي خطوة ضرورية لتعزيز فهمنا للدين بطريقة تراعي الظروف والمتغيرات،.. وتساهم في بناء مجتمع واع ومستقر.
بقلم: أيوب الصايري