مرحاض في الرباط بثمن 6 شقق… ومشردون يقتلون على الأرصفة.. مرحبا بكم في الدولة الاجتماعية

وسط ضجيج الشعارات الحكومية عن “الدولة الاجتماعية” و”الكرامة” و”العدالة المجالية”، استيقظت ساكنة حي القدس بالبرنوصي، صباح الثلاثاء، على وقع جريمة تقشعر لها الأبدان: سيدة متشردة ورضيعها قتلا بدم بارد، بعدما هشم شريكها في الشارع رأسيهما بحجر كبير، ثم اختفى إلى وجهة مجهولة، وكأن الأمر لا يتجاوز حادثة شغب في مباراة كرة قدم.

الجريمة ليست فقط بشعة، بل مرآة دامغة لما آلت إليه أوضاع الفئات المنسية في هذا البلد. فالسيدة، بحسب شهادات السكان، كانت تعيش مع رضيعها تحت رحمة الطقس والشارع والمارة، دون أن تفكر الحكومة ولو لمرة واحدة في سؤال: “أين ينام هؤلاء؟ وماذا لو لم يستيقظوا؟”

لكن على بعد كيلومترات، وتحديدا في الرباط، فضلت الجهات المسؤولة أن “تستثمر في المستقبل” عبر إطلاق مشروع المراحيض الذكية، بكلفة إجمالية تجاوزت 2 مليار سنتيم. نعم، مرحاض واحد بـ181 مليون سنتيم، مجهز بموسيقى هادئة وشاحن للهاتف وربما “واي فاي” مجاني. كل شيء ذكي، إلا من اتخذ القرار. نفس المبلغ يكفي لاقتناء 6 شقق، كتلك التي يحلم معظم الشباب المغاربة باقتناء ليستطيعوا الزواج.

- Ad -

كلفة مرحاض واحد… تبني مأوىً لعشرات المشردين

لا أحد يعارض إنشاء مراحيض عمومية نظيفة، بل هي ضرورة حضارية في كل مدينة مغربية، خصوصا في الفضاءات العامة والأسواق الكبرى. لكن ما يثير الغضب هو أن تخصص ميزانية ضخمة لمرحاض واحد، في حين لا زال آلاف المواطنين ينامون في الشوارع، وبينهم نساء وأطفال وشيوخ، بعضهم يموت جوعا أو تجرفه البرد واللامبالاة.

فبـ2 مليار سنتيم يمكن بناء مأوى لإيواء عشرات المشردين، مع طاقم اجتماعي ومرافق إنسانية لائقة. لكن يبدو أن كرامة المواطن أصبحت أقل أهمية من كرسي دافئ في مرحاض مرفه.

عدد المتشردين والمتسولين في مدن المغرب تضاعف في السنوات الأخيرة، لدرجة أصبح معها الطفل المتسول والمرأة النائمة أمام محطة الحافلات مشهدا عاديا لا يثير سوى اللامبالاة. بينما في دول أقل منا ضجيجا، تعتبر هذه الظواهر حالات طوارئ إنسانية تستدعي تدخلا فوريا.

القاتل هرب… والحكومة كذلك

السلطات الأمنية حلت بمكان الجريمة وفتحت تحقيقاً، مشكورة. لكن من يفتح التحقيق في فشل الحكومة في حماية هؤلاء من المصير الأسود؟ من يحاسب صمت الوزارات على تفشي الفقر والجنون والعنف والخذلان؟ من يطالب بميزانية لبناء مراكز إيواء بدل مراحيض إلكترونية؟

كيف لدولة أن تفكر في “مراحيض ذكية” بينما أمهات يذبحن مع أطفالهن في الأزقة المظلمة؟ أية أولويات هذه التي تجعل من المرحاض قضية وطنية، ومن المشردين هامشا إنسانيا لا يستحق حتى سقفا من صفيح؟

هذا ليس مشهدا من فيلم خيالي سوداوي، بل واقع مغربي لا يحتاج لإخراج سينمائي. كل ما في الأمر أن الحكومة قررت أن تتعامل مع المواطنين كما تتعامل مع النفايات: تدخلهم مراحيض فاخرة… ثم تنساهم.

الأكثر مشاهدة