أظهرت دراسة حديثة أن الآباء في العصر الحديث، على الرغم من تحملهم مسؤوليات أكبر في رعاية الأطفال مقارنة بأسلافهم في العصر الحجري،.. قد يواجهون تحديات في تحقيق فعالية أكبر في تربية أطفالهم.
كشفت الدراسة على أن الأطفال قد يكونون “مهيئين تطوريا” لتوقع مشاركة أكبر من مقدمي الرعاية،.. وهو ما يتناسب أكثر مع الممارسات الاجتماعية والثقافية في بعض المجتمعات التقليدية. وأشارت الدراسة إلى أن “تربية الطفل تتطلب قرية” مشيرة إلى أن هناك حقيقة محتملة في هذا السياق.
إقرأ أيضا:التوسع الصيني في صناعة الطاقة الشمسية يهيمن على سلاسل التوريد العالمية
رحلة تربية الأطفال في العصر الحجري
الباحثون الذين قاموا بدراسة ممارسات رعاية الأطفال لدى قبيلة “مبندجيلي باياكا” في جمهورية الكونغو الديمقراطية،.. أكدوا على أهمية السياق الاجتماعي والمشاركة المجتمعية في تربية الأطفال. وبناء على ذلك يتبنى الباحثون وجهة نظر تشير إلى أن التفاعل الاجتماعي الأوسع يمكن أن يسهم في تحقيق تأثير أكبر في تربية الأطفال مقارنة بالنهج الحديث الذي يقوم على مشاركة أقل من المجتمع في هذه العملية.
على عكس نمط الأبوة والأمومة المعاصرة حيث تكون رعاية الأطفال غالبا مسؤولية الوالدين بشكل رئيسي،.. تظهر قبيلة “مبندجيلي باياكا” نمطا مجتمعيا للأبوة يعتمد على المشاركة الواسعة يقوم أكثر من 10 أفراد من هذه القبيلة في كثير من الأحيان بتلبية احتياجات الأطفال.
فوائد الأبوة والأمومة الجماعية
تبرز هذه الممارسة الاجتماعية الفريدة تأثير الأبوة المجتمعية،.. حيث يتحمل أفراد المجتمع مسؤولية تربية الأطفال بشكل جماعي وهذا يتيح للأطفال التفاعل مع عدة أفراد والتعلم من تجارب متنوعة ومنظورات مختلفة يظهر هذا النمط الاجتماعي أن “القرية” بأكملها تلعب دورا مهما في تربية الأطفال،.. وليس الأم والأب فقط.
و تمكن هذا النهج المجتمعي للأبوة في قبيلة “مبندجيلي باياكا” الأطفال من الاستفادة من تجارب وتفاعلات مكثفة تستمر لنحو تسع ساعات يوميا مع مختلف أفراد القبيلة. وقد أتاح هذا التفاعل الكثيف للأمهات فرصة العمل والراحة حيث تم تحميل مسؤولية الرعاية الجماعية للأطفال على عاتق المجتمع بأكمله.
على الجانب الآخر من المقارنة،.. يبرز الفارق الواضح حيث حصل الرضع في كندا وهولندا على أقل من نصف ساعة يومية من التفاعل الوثيق. يسلط هذا الاختلاف الكبير الضوء على الفروق الثقافية في ممارسات الرعاية الأبوية حيث يظهر كيف أن نمط الحياة في المجتمعات الحديثة يمكن أن يحد من فرص التفاعل الاجتماعي الوثيق بين الأطفال وأفراد المجتمع.
بشكل عام،.. يظهر هذا الاختلاف الواضح كيف يمكن للأساليب التقليدية في تربية الأطفال أن تؤدي إلى تفاعل اجتماعي أكبر وتعزز تشارك المجتمع في رعاية الأطفال،.. مقارنة بنماذج الأبوة الحديثة.
إقرأ أيضا: الطاقة المتجددة تتجاوز الوقود الأحفوري في الاتحاد الأوروبي لأول مرة
تشير الدراسة إلى أن جزءا كبيرا من التفاعل في قبيلة “مبندجيلي باياكا” يتضمن الاتصال الجسدي،.. وهو نوع من التفاعل يحظى بالاعتراف من قبل المتخصصين الطبيين بفوائد متعددة على الصعيدين الجسدي والعاطفي.
يؤكد الدكتور نيخيل تشودري، المؤلف الرئيسي للدراسة،.. على أن “على مدى أكثر من 95 في المائة من تاريخنا التطوري،.. عشنا كصيادين وجامعين للثمار لذا يمكن لمجتمعات الصيد وجمع الثمار المعاصرة مثل قبيلة مبندجيلي باياكا أن تقدم أدلة حول ما إذا كانت هناك أنظمة معينة لتربية الأطفال يمكن للرضع وأمهاتهم التكيف معها نفسيا”.
توازن الرعاية في مجتمعات القبائل
توضح الدراسة التي أجريت في جمهورية الكونغو الديمقراطية أن نسبة مقدمي الرعاية إلى الأطفال تتجاوز خمسة مقابل واحد،.. وهو تناقض واضح مع النسب المعتادة في المنازل الحديثة أو دور الحضانة،.. يقترح من قبل الباحثين أن الأطفال قد يكونون “مهيئين من الناحية التطورية” لتوقع مستويات عالية من الاتصال الجسدي والرعاية، بالإضافة إلى الاهتمام الشخصي من مقدمي الرعاية المتعددين خارج الوالدين البيولوجيين.
هذا التناقض في نسبة مقدمي الرعاية يبرز فارقا كبيرا بين نمط الحياة في هذه القبيلة التقليدية كعصر الحجري ونمط الحياة في المجتمعات الحضرية الحديثة. يشير هذا الاختلاف إلى أن الأطفال في هذه القبيلة يتمتعون بفرصة فريدة للتفاعل مع عدة أفراد في المجتمع،.. مما يساهم في تطوير تواصلهم الاجتماعي ونموهم الشخصي بشكل شامل.
يوضح الفريق البحثي أن على مدى تاريخ البشرية وفي عصور ما قبل التاريخ،.. لم يواجه الآباء أبدا نفس الضغوط المتعلقة بنقص الدعم كما يواجهونها اليوم.