يكشف المشهد العقاري الحضري في المغرب عن تناقض صارخ بين استمرار الحديث عن “العجز السكني” من جهة، والانتشار المهول للوحدات السكنية غير المأهولة بشكل دائم من جهة أخرى. ففي عام 2024، ومع وصول حجم الإسكان الحضري إلى 8.34 مليون وحدة، فإن ما يقرب من 2.4 مليون مسكن حضري، أي حوالي ثلاثة من كل عشرة منازل في المدن، لا تستخدم كإقامة رئيسية، وفقا لتحليل دقيق للمعطيات.
تشير الأرقام إلى أن السكن لم يعد مجرد ضرورة اجتماعية، بل أصبح استثمارا خاملا. الوحدات غير المأهولة تنقسم بين 1.12 مليون وحدة شاغرة (تمثل 13.4% من الإجمالي) و 1.29 مليون وحدة مخصصة للإقامة الثانوية أو الموسمية (تمثل 15.5% من الإجمالي). المثير للقلق هو التطور “الدراماتيكي” لهذا الهدر العقاري؛ فبين عامي 2004 و 2024، تضاعف إجمالي السكن الحضري، لكن عدد الوحدات غير المأهولة قد تضاعف ثلاث مرات تقريبا، ليصل إلى 28.9% من إجمالي العقار الحضري.
أكثر ما يلفت الانتباه هو “الانفجار الحقيقي” في نمو الإقامات الثانوية والموسمية، حيث قفزت حصتها من 4.7% في عام 2004 إلى 15.5% في 2024. وقد زاد حجمها المطلق من أقل من 200 ألف وحدة إلى أكثر من 1.29 مليون وحدة خلال 20 عاما، بمعدل نمو سنوي يفوق 10%. هذا يعني أن كتلة متزايدة من المنازل تستخدم بشكل متقطع، وقد لا تشغل سوى بضعة أسابيع في السنة، في ظاهرة ترتبط بالاستثمار والترفيه وليس الاحتياج اليومي.
ويتركز هذا الفراغ السكني بشكل أساسي في القطب الحضري العصري. حيث تشكل الشقق (48.2%) والمنازل المغربية الحديثة (45%) أكثر من 93% من إجمالي الوحدات غير المأهولة. جغرافيا، تتركز الظاهرة بشدة على طول المحور الساحلي، حيث تستأثر مناطق الدار البيضاء-سطات، طنجة-تطوان-الحسيمة، والرباط-سلا-القنيطرة لوحدها بنحو 50.5% من المساكن الشاغرة، و53% من الإقامات الثانوية والموسمية، مما يؤكد أن الاستثمار يتركز في المناطق الجاذبة على حساب باقي جهات المملكة.
في المقابل، تستمر هذه الوفرة الخاملة في التوازي مع حاجة حقيقية للسكن؛ ففي 2024، يقدر العجز الكمي للسكن في الوسط الحضري بـ 334 ألف وحدة. كما أن هناك نحو 372 ألف مسكن حضري تشغلها أسرتان أو أكثر، مما يكشف عن ضغط سكني حقيقي للفئات التي لم تستفد من هذه الوفرة العقارية. هذا التناقض يضع الحكومة أمام تحد هيكلي: كيف يمكن تحفيز توجيه هذه الملايين من الوحدات غير المأهولة نحو السوق الإيجاري أو التملك للفئات المحتاجة، بدلا من تركها تحافظ على قيمتها كاستثمار خامد؟ هذا هو السؤال الذي يجب على صناع القرار الإجابة عليه في المرحلة القادمة.


