تعيش الدار البيضاء على وقع واحدة من أضخم التحولات الحضرية في تاريخها، بعد أن أصبح سوق درب غلف الشهير على مشارف طي صفحة طويلة من تاريخه، تمهيدا لولادة فضاء تجاري عصري يمتد على مساحة تقارب 7.2 هكتارات. سوق ارتبط اسمه لسنوات بالتكنولوجيا، وبحرفيين شقوا شهرتهم بأيديهم، وبجوطية صنعت لنفسها صيتا دوليا، يقترب اليوم من نهايته الحتمية كما تؤكد معطيات «الصباح».
مشروع تصميم تهيئة مقاطعة المعاريف الذي يناقشه مجلس جماعة البيضاء، الثلاثاء 2 دجنبر 2025، يضع السوق في قلب تصور عمراني جديد يغير كل شيء: مركز تجاري حديث، فضاءات مبتكرة، مساحات خضراء، وولوجيات واسعة عبر ست طرق جديدة يصل عرض بعضها إلى 20 مترا، إضافة إلى توسعة محاور أخرى، مع إنشاء مواقف سيارات تحت أرضية لامتصاص ضغط الحركة.
وفي خضم هذا التحول، سيحافظ المشروع على خمس بنايات تراثية فقط، فيما ستتغير ملامح المنطقة المحيطة كليا، من زنقة عبد الرحمان الزموري إلى شارع أنوال الذي قد يصل عرضه إلى 50 مترا، مرورا بزنقة الداي ولد سيدي بابا التي ستتسع لتبلغ 26 مترا.
وتدرج منطقة درب غلف، التي يحدها شمالا زنقة القادسية وجنوبا زنقة ليوناردو دافينتشي، في خانة إعادة الهيكلة والتجديد الحضري قبل عام واحد من احتضان المغرب لمونديال 2030. مشروع جديد يسعى إلى خلق نواة تجارية من الجيل الحديث، بفضاءات للراجلين، ومساحات خضراء، وربط محكم بين المحاور المرورية والمركزية المقترحة.
غير أن الطريق إلى التنفيذ ليس مفروشا بالورود؛ فالأرض التي يقوم عليها السوق غير تابعة للأملاك الجماعية، ما يجعل المشروع رهينا بتسريع وتيرة اقتناء العقارات أو اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية لفائدة المصلحة العامة.
وفي المقابل، يقف أكثر من 3 آلاف تاجر مترقبين، بين مخاوف مستقبلهم المهني وأسئلة حول مصير محلاتهم، سواء خلال فترة الترحيل المؤقت أو آليات الاستفادة بعد إعادة البناء. تجار صنعوا هوية المكان، وينتظرون اليوم توضيحات حول مستقبلهم داخل فضاء جديد قد يرفع قيمة المنطقة، لكنه يحمل في طياته نهاية شكل تجاري عاش لعقود في قلب الدار البيضاء.
مشروع ضخم يعيد رسم ملامح المعاريف… لكنه في الوقت ذاته يغلق فصلا من ذاكرة البيضاويين مع درب غلف، السوق الذي لم يكن يوما مجرد مكان للبيع والشراء، بل رمزا لنمط حياة كامل.


