اثنا عشر عاما مرت على ما بات يعرف بـ “سطو القرن” بمطار “زافينتيم” بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، ولا تزال هذه القضية تحتفظ بظلالها القاتمة وأسرارها التي لم تفك شفرتها بعد. وبينما تبخرت أطنان الماس والذهب في لمح البصر، كشفت التحقيقات عن “ارتباطات مثيرة” جعلت المغرب في قلب هذا الملف القضائي المعقد، بفضل معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها الرباط، وضعت المحققين الأوروبيين أمام “بون شاسع” في لغة الأرقام.
سيناريو هوليودي وعجز قضائي
تعود فصول الواقعة إلى 18 فبراير 2013، حين نفذ “كوماندوز” محترف متنكر بزي رجال شرطة عملية سطو خاطفة فوق مدرج المطار، استغرقت أربع دقائق فقط، دون إطلاق رصاصة واحدة.
وعلى الرغم من جرأة العملية، فإن ما أثار الريبة هو “حرب الأرقام” التي تلتها؛ فبينما حصر تجار الماس بمدينة “أنتويرب” البلجيكية وشركات التأمين قيمة الخسائر في 38 مليون يورو، جاءت تقديرات الأمن المغربي لتربك الحسابات، مؤكدة -بناء على مصادر في قلب الجريمة المنظمة- أن القيمة الحقيقية للمسروقات تتجاوز 300 مليون يورو، مما يوحي بأن الشحنة الرسمية لم تكن تكشف كل الحقيقة.
“الخيط المغربي”.. المفتاح الوحيد للغز
لم تتوقف “البصمة المغربية” عند حدود التقديرات المالية، بل كانت هي “المحرك الفعلي” للتحقيقات. وحسب ما أوردته قناة “RTL TVI”، فقد أثمر التعاون الأمني الوثيق بين بروكسيل والرباط عن تحديد المشتبه به الرئيسي “مارك بيرتولدي”، وهو مواطن فرنسي كان يتخذ من المغرب مقرا لإدارة “حياته الباذخة”.
وبفضل المعلومات الذهبية التي قدمتها السلطات المغربية، تمكن المحققون من تحقيق الاختراق الوحيد في القضية، بالعثور على جزء من الأحجار الكريمة المخبأة في سويسرا، واعتقال “بيرتولدي” الذي اعترف بدوره كوسيط لتصريف الغنيمة، مع إنكاره المشاركة المباشرة في السطو.
رغم المجهودات الاستخباراتية المغربية والمؤشرات الواعدة، عجز القضاء البلجيكي عن الإيقاع بالمنفذين الفعليين؛ حيث انتهت محاكمات عامي 2018 و2023 بتبرئة المتهمين الرئيسيين لـ “انعدام الأدلة المادية”، ليظل “بيرتولدي” الوحيد المدان بتهمة الحيازة. واليوم، لا يزال الماس المختفي -الذي يرجح أنه أعيد تقطيعه لتمويه معالمه- لغزا محيرا، يترك خلفه تساؤلات حارقة حول ما عبر فعليا بين بلجيكا والمغرب في تلك الليلة الشتائية من عام 2013.


