كشفت وثائق رسمية مثيرة، حصلت عليها جريدة “الصباح”، عن شبكة معقدة من المصالح والصفقات المشبوهة تشتغل في الظل ضمن قطاع حساس يهم صحة المواطنين الأكثر هشاشة بمدينة الدار البيضاء.
تقرير يتكون من 137 صفحة وصف بـ”الأسود”، قدم تشريحا دقيقا لما يجري في كواليس تدبير أدوية داء السكري الموجهة إلى مراكز حفظ الصحة لفائدة المواطنين المعوزين. الفاعلون؟ منتخبون وموظفون جماعيون ورؤساء مصالح من جهة، وصيادلة وشركات أدوية من جهة أخرى.
وبلغة الأرقام، رصد التقرير مبالغ مالية ضخمة فاقت 10 مليارات سنتيم (تحديدا 105.173.114 درهما) صرفت ما بين 2018 و2022، في صفقات عمومية وسندات طلب لتوريد أدوية السكري. موزعة بين الجماعة (6.1 ملايير) و16 مقاطعة (4.4 ملايير).
لكن أين تكمن الفضيحة؟
التقرير أشار إلى تكرار غير مبرر لأسماء صيدليات وشركات معينة فازت بمعظم هذه الصفقات. من أبرزها صيدليتان: واحدة في بوزنيقة والأخرى في مكناس، استحوذتا على 52% و33% من إجمالي الصفقات على التوالي. والغريب أن صيدلية بوزنيقة حازت على 100% من صفقات مقاطعتي عين الشق وسيدي عثمان وسندات طلب سيدي مومن!
التلاعب وصل إلى مستوى شراء الأدوية بثمن مضاعف، حيث تم اقتناء جزيء “الميتفورمين”، وهو دواء رئيسي لمرضى السكري، بـ13 درهما للوحدة بدلا من 9 دراهم، مما يعني فرقا بـ4 دراهم لكل وحدة، ما كلف بعض المقاطعات 60 مليون سنتيم إضافية دون أي مبرر منطقي.
التقرير يوضح أن ما جرى يعتبر خرقا سافرا للقانون 17.04 المتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة، خاصة المادة 30 التي تمنع الصيدليات من التوريد بالجملة أو المشاركة في الصفقات العمومية. وهذا ما حصل بالضبط، حيث تكلفت تلك الصيدليات، بعد حصولها على الطلبيات، بتوريد الأدوية إلى المخازن الجماعية بدل شركات التوزيع القانونية.
وفي مقابل صمت الجهات الوصية، تبقى مصلحة حفظ الصحة والوقاية والسلامة الحضرية، هي المسؤولة عن إدارة هذه الميزانيات، التي تصل سنويا إلى مليار و500 مليون سنتيم للجماعة ومليار و100 مليون للمقاطعات، ووقعت بين 2018 و2022 ما مجموعه 22 صفقة عمومية، مقابل 55 صفقة للمقاطعات، و22 سند طلب إضافي.
وفي تجاوز آخر، تم رصد شراء أدوية لا علاقة لها ببرنامج السكري، مثل أدوية القلب والكولستيرول والضغط، بقيمة فاقت 645 مليون سنتيم.