في لحظة خاطفة بين الليل والفجر، تحولت زقاق ضيقة في “كريان الرحامنة” بسيدي مومن إلى مسرح لهلع جماعي. لم يكن يوم الإثنين 7 يوليو 2025 مجرد بداية أسبوع جديد، بل فصلا مأساويا يتكرر بحبكة مختلفة، لكن النهاية ذاتها: نيران تشتعل في مساكن الصفيح، وأرواح تحتمي بالفرار من اللهيب .
النيران، التي اندلعت في مستودع عشوائي يعرف محليا بـ”الديبو”، سرعان ما امتدت إلى مساكن قصديرية قريبة، ما خلق حالة من الهلع بين السكان، الذين خرجوا بملابس النوم، بعضهم حافي القدمين، لا يحمل سوى طفله أو وثيقة رسمية سارع لانتشالها.
رغم تدخل عاجل لعناصر الوقاية المدنية، مدعومين بالأمن الوطني والسلطات المحلية، فإن الحريق خلف خسائر مادية ثقيلة، طالت تجهيزات وممتلكات الأسر المنكوبة، التي تعيش أصلا تحت خط الفقر. ولولا تدخل السكان أنفسهم، الذين شكلوا سلاسل بشرية لنقل الماء ومساعدة رجال الإطفاء، لكانت الكارثة أوسع.
السلطات المختصة فتحت تحقيقا لمعرفة أسباب اندلاع الحريق، لكن التساؤلات تتصاعد من بين الأنقاض: هل التحقيق سيمنع الحريق القادم؟ وهل ستظل العشوائيات وقودا لماس اجتماعية متكررة؟
ما وقع في “كريان الرحامنة” ليس معزولا. في الأسابيع الأخيرة، شهدت الدار البيضاء حرائق مشابهة، من “سوق شطيبة” بسيدي عثمان إلى “لافيراي السالمية” وسوق “المسيرة”. وكأن المدينة تحترق بصمت، واللهب لا يأكل الخشب فقط، بل ما تبقى من كرامة سكان المهمشين.
يعيش سكان “الكريان” على أمل خافت في تدخل حقيقي ينقلهم من بيوت الصفيح إلى سكن إنساني لائق. ففي زمن الذكاء الاصطناعي والقطارات الفائقة، لا يزال الآلاف محرومين من أبسط شروط الحياة.


