يحلم الكثيرون بإتقان لغة جديدة، لكن الالتزام والانضباط المطلوبين لذلك غالبا ما يكونان عائقا. كم من مرة بدأنا تعلم لغة على تطبيقات مثل “دوولينغو”، فقط لنجد أنفسنا متوقفين بعد فترة قصيرة؟ وحتى إن تعلمنا بعض العبارات في المدرسة، فإن النطق واللهجة غالبا ما يثبطان عزيمتنا عند محاولة التحدث بها. ومع وجود ما يقرب من مليون كلمة في اللغة الإنجليزية، وربع مليون كلمة في الإسبانية، يبدو تعلم لغة جديدة وكأنه تحد صعب. لكن، ماذا لو كانت هناك لغة يمكن تعلمها في بضعة أيام فقط؟
تعرف على “توكي بونا” – وهي لغة مصطنعة ابتكرتها اللغوية والمترجمة “سونيا لانغ”، وتتميز بعدد كلمات محدود للغاية. تصفها مبتكرتها بأنها “محاولة فلسفية لفهم معنى الحياة في 120 كلمة”، ورغم أن القاموس الرسمي للغة، الصادر عام 2021، يحتوي على 181 كلمة، إلا أن جوهرها يعتمد على 137 كلمة أساسية فقط، مما يجعل تعلمها أمرا سهلا نسبيا.
الصحفي واليوتيوبر “روب واتس” غاص في عالم “توكي بونا”، والتي تعرف بـ”لغة الخير”، وأوضح كيف تمكنت هذه اللغة من تجاوز العديد من الصعوبات التي تواجه متعلمي اللغات الأخرى، وذلك ببساطة من خلال إلغائها. فلا وجود لأدوات التعريف مثل “the” أو “a”، ولا توجد أزمنة ماضية أو مستقبلية، بل يتم التعبير عن الزمن من خلال السياق فقط. والأفضل من ذلك كله، أنه لا يوجد تقسيم نحوي للنوع، فلا كلمات مذكرة أو مؤنثة.
لكن كيف يمكن للـغة تحتوي على 137 كلمة فقط أن تكون كافية للتواصل؟ السر يكمن في بساطة المفردات والتعبير بالوصف بدلا من تسمية كل شيء بمصطلح منفصل. فمثلا، بدلا من تسمية كل نوع من الفاكهة باسم مختلف، يمكن استخدام كلمة “فاكهة” للإشارة إليها جميعا، وإذا لزم الأمر مزيد من التوضيح، يمكن وصفها بأنها “فاكهة ناعمة” أو “فاكهة صفراء”، تماما كما نفعل أحيانا عند التحدث بشكل غير رسمي.
لغة بلا تعقيدات نحوية
تعتمد “توكِي بونا” على 14 حرفا فقط، خمسة منها حروف متحركة، وتسعة حروف ساكنة (J, K, L, N, M, P, S, T, W)، وتستعير كلماتها من عدة لغات حول العالم، من اليابانية إلى الفلندية والإنجليزية. كما يمكن كتابتها باستخدام رموز تصويرية تشبه الرسومات، حيث تدمج الكلمات في أشكال تعبيرية تعكس معانيها.
أما الأرقام، فهي محدودة للغاية، إذ لا توجد سوى كلمات للأعداد: واحد، اثنان، خمسة، عشرون، ومائة. لذا، يتم التعبير عن الأرقام الأخرى بتركيب هذه الكلمات، فمثلا، الرقم سبعة يقال “خمسة اثنان”، والسبعة عشر تترجم إلى “عشرة خمسة اثنان”، بطريقة تشبه الأرقام الرومانية ولكن بخيارات أقل. ورغم بساطتها، فإن قول أعداد كبيرة مثل 299 يصبح أمرا معقدا، حيث يتم التعبير عنه بعبارات طويلة مثل “مائة مائة عشرون عشرون عشرون عشرون خمسة خمسة خمسة اثنان اثنان”.
رغم بساطة اللغة، فقد استطاعت أن تحصد شعبية متزايدة، مع وجود منافسات في الكتابة بها، بل وحتى رواية مكتوبة بالكامل بلغة “توكي بونا”. يقول “يان لاكوسي”، المشرف على إحدى أشهر مجتمعاتها على منصة “ديسكورد”: “الكثير من الأشخاص ينجذبون إليها لأنها تمنحهم إحساسا بالإتقان، فهي لغة يمكن إكمال تعلمها بسهولة”.