تخط نيجيريا والمغرب سطور مشروع ضخم لا يقف عند حدود الجغرافيا، بل يتجاوزها ليعيد رسم خريطة النفوذ في سوق الطاقة الدولية. مشروع أنبوب الغاز الرابط بين أبوجا والرباط، البالغة كلفته نحو 25 مليار دولار، لم يعد مجرد بنية تحتية عملاقة تمتد على 5660 كيلومترا، بل أصبح مسرحا مفتوحا لصراع المصالح وفرص التحالفات.
في مشهد يعكس دينامية الانفتاح النيجيري على الشركاء الدوليين، استقبل نائب الرئيس كاشيم شتيما مسؤولي شركة “فيتول غروب” الهولندية السويسرية، ليؤكد أن بلاده، بثروتها الغازية المصنفة ثامنا عالميا، لا تبحث عن مجرد تمويل، بل عن شراكات “قائمة على الشفافية والاستقرار”.
لكن خلف هذه الكلمات الدبلوماسية، تتخفى معادلة أعقد: نيجيريا بحاجة إلى تنويع منافذ تصديرها، وأوروبا بحاجة إلى بدائل موثوقة للغاز الروسي. وهنا، تتحول الأنابيب من مجرد أنفاق معدنية إلى شرايين استراتيجية تحمل الطاقة، والنفوذ، والسيادة.
أكثر من مجرد مشروع… هندسة لموقع إفريقيا الجديد
شتيما لم يتردد في وصف المشروع بأنه “تحد تقني أكثر منه مالي”، وهو بذلك يرسم بوضوح صورة الرهان: ليس المال هو العائق، بل إدارة المشروع عبر 13 دولة إفريقية، وتجاوز تعقيدات الأمن، والتمويل، والبنى التحتية.
من جهتها، أبدت “فيتول” استعدادها للاستثمار، لتنضم إلى لائحة متزايدة من الداعمين: الإمارات، البنك الأوروبي للاستثمار، البنك الإسلامي للتنمية، وصندوق الأوبك. وحتى الصين دخلت على الخط من بوابة شركة “جينغي ستيل”، التي ستزود المشروع بمواد البناء.
أما واشنطن، التي تقرأ جيدًا تغير خارطة الغاز العالمي، فقد عبّرت عن اهتمامها، دون إفصاح واضح عن حجم التزامها، في وقت تسعى فيه للحد من النفوذ الروسي والتمدد الصيني في القارة السمراء.
المغرب: من بوابة العبور إلى شريك استراتيجي
بالنسبة للرباط، المشروع ليس مجرد ممر، بل ورقة سياسية واقتصادية تعزز مكانتها القارية والأورو-متوسطية. المغرب، الذي استكمل دراسات الجدوى والهندسة، يراهن على بدء تسليم الغاز سنة 2029، من خلال شركة مشتركة مع نيجيريا، ستشرف على التنفيذ والمتابعة.
وتعيد هذه الخطوة التأكيد على الرؤية المغربية لتعزيز التكامل الإفريقي، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن سعي الرباط إلى التموقع كمحور طاقي رئيسي في شمال إفريقيا، في مواجهة مشاريع بديلة كخط الغاز العابر للمتوسط بين الجزائر وإيطاليا.
الطاقة أولا… ثم الباقي
منذ انتخابه، لم يخف الرئيس بولا تينوبو رهانه على مشروع الأنبوب، واعتبره في ماي الماضي “أولوية مطلقة”. بين طموح التنمية، وضغوط الأمن، ورغبة التخلص من لعنة الموارد، يرى تينوبو في الغاز مفتاحا لإعادة هندسة اقتصاد نيجيريا، وربما مستقبل غرب إفريقيا برمته.