أطلقت مصالح الجمارك المغربية بتنسيق مع مكتب الصرف تحقيقات موسعة في ملف بالغ الخطورة، يتعلق بتورط ثلاث شركات مغربية في تهريب منظم لأرباح ضخمة خارج البلاد، من خلال التحايل على قوانين التصدير، والتلاعب في التصريحات الجمركية بالتعاون مع مستوردين أجانب.
التحقيقات، التي بلغت مراحل متقدمة حسب مصادر مطلعة، كشفت أن هذه الشركات كانت تقوم بتقليص فواتير الصادرات بشكل منهجي، ما أتاح لها تحويل جزء كبير من مداخيلها إلى الخارج، دون المرور عبر القنوات البنكية الرسمية، في انتهاك صريح لقانون الصرف الجاري به العمل.
ولم تتوقف هذه العمليات داخل الحدود الوطنية، بل استعانت الجهات المغربية المختصة بقنوات تبادل المعطيات الدولية، ما مكن من رصد شبهات تلاعب في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، حيث أبدت سلطات الجمارك بهذه الدول شكوكا مماثلة حول نفس الشركات المغربية.
وفق المعطيات، فقد تمت متابعة أثر هذه العائدات المالية التي لم يصرح بها، ليتبين أنها انتقلت بين حسابات في عدة دول، وانتهى بها المطاف في مناطق معروفة بكونها ملاذات ضريبية، منها دول بأمريكا الوسطى، إضافة إلى حسابات بالعملات المشفرة.
واستغلت منتجات مثل الألبسة الجاهزة والنسيج ومستحضرات التجميل والمواد الغذائية لتضليل المراقبة، حيث أكدت مصادر جمركية أوروبية أن هذه السلع تم تصريفها بسرعة مريبة، مع التهرب المتعمد من المراقبة البعدية للمخازن، ما يرجح فرضية التعامل التجاري الصوري.
ثغرات في المراقبة البنكية والمينائية
القانون المغربي ينص على ضرورة التتبع الكامل للصفقات التصديرية من طرف البنوك، حيث يشترط تحويل 100% من قيمة الصفقة عبر حسابات بنكية مراقبة. إلا أن المتورطين عمدوا إلى الالتزام الظاهري بنسبة 60% فقط، بينما جرى تحويل الباقي بالعملة الصعبة في حسابات خارجية بطريقة غير قانونية، يعرف محليا بـ”النوار”.
وقد كشفت أنظمة المعلوماتية مثل منصة “بدر” ومنظومة “بورتنيت” عن تناقضات صارخة في التصريحات والمستندات، ما مكن المحققين من ربط الخيوط بين الشركات الثلاث والمتعاملين الأجانب المتورطين، والذين تكررت أسماؤهم عبر السنوات في الصفقات المريبة نفسها.
ترقب لتحديد المسؤوليات والعقوبات
ورغم أن التحقيقات ما زالت جارية، فإن الجهات المعنية لم تستطع بعد تحديد القيمة الدقيقة للأرباح التي لم تعد توطينها، بسبب التعقيد والتشعب في العمليات، وكثرة الوسطاء والحسابات المستخدمة في تهريب الأموال.
المصادر أكدت أن السلطات تركز حاليا على تحديد المسؤوليات الفردية لمسيري الشركات، والارتباطات التي تجمعهم بالمستوردين المشكوك في تعاملاتهم، وسط مؤشرات أولية على شبكة تهريب مالي عابرة للحدود تستغل التجارة الدولية كغطاء.