نوع آخر بين المغرب وإسبانيا ليس صراع حدود، ولا خلاف دبلوماسي، بل سباق محموم على من سيتحكم في “نافذة البلوبري”، تلك الفجوة الزمنية التي تفصل نهاية الموسم في أمريكا الجنوبية عن بداية الإنتاج في أوروبا. وفي هذا السباق، يبدو أن المغرب يركض بخطى واثقة… ويحصد.
كشفت بيانات حديثة صادرة عن وزارة الاقتصاد الإسبانية أن مدريد استوردت خلال شهري يناير وفبراير فقط 7,180 طنا من التوت الأزرق المغربي، أي ما يعادل 22.7% من مجموع وارداتها السنوية لسنة 2024. رقمٌ كبير بالنظر إلى أن الموسم المغربي الفعلي ينطلق أساساً في مارس وأبريل، ما يشي بأن القادم… أعظم.
وفي الوقت الذي تراهن فيه الضيعات المغربية على موسم استثنائي بنمو صادرات يتوقع أن يبلغ 20%، تقف إسبانيا على أعصابها، خصوصا مزارعي إقليم “هويلفا”، الذين ينتجون وحدهم 97% من التوت الإسباني، والذين باتوا يخشون “الإغراق المغربي” في أسواق اعتادوا احتكارها.
نجح المغرب في تحويل فاكهة صغيرة إلى قصة كبرى في التجارة الفلاحية. بكلفة إنتاج أقل، وطقس يسمح بموسم أطول، وموقع جغرافي مثالي للتصدير السريع، أصبح التوت المغربي خيارا مغريا للأسواق الأوروبية، وخصوصا في الفجوة الزمنية التي تسبق دخول الإنتاج الإسباني. هنا، لا يتعلق الأمر بجودة فقط، بل بتوقيت، وسرعة، ومرونة… وكلها أوراق لا تزال في صالح المغرب.
لكن هذا النجاح ليس بلا أعداء… فالمزارعون الإسبان يشتكون من “تنافسية غير عادلة”، إذ يرون أن نظراءهم المغاربة يستفيدون من شروط إنتاج أقل صرامة مقارنة بما تفرضه بروكسيل على المزارعين الأوروبيين. إنها الشكوى القديمة ذاتها التي تتكرر كلما تقدم الجنوب بخطوة نحو أسواق الشمال.
في سنة واحدة فقط،.. جنى الإسبان من صادرات التوت ما يزيد عن 555 مليون يورو. رقم ضخم يبرز أهمية هذه الفاكهة في ميزان الفلاحة الأوروبية. لكن مع الصعود المغربي المتسارع،.. يصبح هذا الرقم مهددا، لا بفعل الأزمات المناخية أو الأمراض النباتية،.. بل بسبب “منافسة قادمة من الجنوب” تعرف جيدا كيف تزرع، ومتى تصدر، وأين تبيع.