تحولت شوارع مدينة المحمدية خلال الأشهر الأخيرة إلى مرآة عاكسة لظاهرة مقلقة، بعدما تداول رواد موقع “فيسبوك” صورا صادمة لأشخاص من مختلف الأعمار، بدت عليهم علامات الاضطراب العقلي وهم يهيمون في الساحات العمومية. بعضهم عراة، وآخرون يحملون حجارة أو عصيًا أو قطعا حديدية، بينما يردد البعض الآخر كلمات غير مفهومة تشي بخلفيات نفسية مضطربة.
هذه الصور لم تثر فقط التعاطف، بل أيقظت مخاوف سكان المدينة، الذين يرون أن الظاهرة في تصاعد وتستوجب حلولًا عاجلة، بعدما باتت تمس أمنهم اليومي وسلامتهم في الفضاء العام.
مراسلة رسمية تدق ناقوس الخطر
على وقع هذا القلق، راسل المكتب الإقليمي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب عامل إقليم المحمدية، مشيرا إلى خطورة الوضع الذي لم يعد يقتصر على المختلين عقليا، بل امتد ليشمل تنامي ظاهرة تسول الأطفال. المراسلة استندت إلى ترسانة قانونية، منها القانون 97.13 والقانون 15.01 والفصل 328 من القانون الجنائي، مطالبة السلطات بـ”تعبئة كافة المتدخلين لاحتواء الأزمة”.
الجمعية كشفت معطى مثيرا، وهو أن 475 قضية مرتبطة بأفعال إجرامية ارتكبها مختلون عقليا في الفضاء العام سجلت خلال سنة 2024 وحدها، ما يعكس حجم التحدي الأمني والاجتماعي في آن واحد.
الرسالة نفسها نبهت إلى مشهد آخر لا يقل خطورة: أطفال قاصرون يمارسون التسول في شوارع المحمدية وببلديات مجاورة مثل بني يخلف وعين حرودة والشلالات. هؤلاء، وفق الجمعية، يحتاجون إلى إدماج عاجل داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، حماية لهم من الاستغلال الجسدي والجنسي، وضمانًا لحقهم في التمدرس والعيش الكريم.
محمد رزقاوي، رئيس المكتب الإقليمي للجمعية، وصف في تصريح صحفي الوضعية التي يعيشها المرضى النفسيون والعقليون بالمحمدية بـ”المزرية”، داعيا السلطات المحلية إلى تحرك مستعجل لنقلهم إلى مراكز العلاج والحماية. وأضاف: “مكان هؤلاء ليس الشارع، بل الأسرة والمدرسة ومراكز الرعاية. استمرار الوضع يفتح الباب أمام الاستغلال البشع ويعمّق معاناتهم ومعاناة المحيطين بهم”.
رزقاوي شدد على أن المختلين عقليًا يشكلون معادلة صعبة: فهم تهديد محتمل لسلامة المواطنين، لكنهم أيضا ضحايا للشارع والعنف والإدمان. إذ يتعرضون للاعتداءات، كما يسقط بعضهم في فخ المخدرات، ما يعقد حالتهم ويضاعف من كلفة إدماجهم مستقبلا.