في زحمة سوق أولاد ميمون، لا شيء يوحي بأن العيد يقترب سوى العبارات المكررة للباعة: “جديد العيد.. تفضل شوف”. أما الملامح، فهي مشدودة، ساهمة، تفتش في الأسعار أكثر مما تفتش في الألوان. لم تعد رائحة العيد تشم من البخور،.. بل من تعب الخطوات بين الأكشاك، ومن صوت الأمهات وهن يساومن بأسى، وكأنهن يحاولن ضغط الوقت لا الجيب
في هذا السوق الذي كان يوما ساحة مفتوحة للفرح وحقولا للضحكات الطفولية، صار كل شيء يحسب بالدرهم: الرغبة، والقدرة، وحتى الشعور بالذنب. فالأعين التي كانت تلمع أمام واجهات العرض، باتت تلمع اليوم من فرط الحرج.
صخب بلا اقتناء
في الأعوام الماضية كان هذا السوق يعد مؤشرا مبكرا لنبض العيد: زحام، ضحكات أطفال تتعالى بعد أول قميص مطرز، وروائح لحم مشوي من العشرات من عربات “السردين”. اليوم، بدا المشهد أشبه بمسرح بعد انفضاض الجمهور؛ حركة المتسوقين تحولت إلى جولات استطلاعية تختتم غالبا بلا أكياس.
التجار هم الآخرون تغير خطابهم؛ فبدلا من عبارات الترغيب “بثلاثين درهم فقط”،.. صارت حناجرهم تبرر: “غلاء الجملة… صعود النقل… الدولار ضرب الدرهم”. لكن حجة الأرقام اصطدمت بجيوب لم تزل مثقوبة منذ جائحة خلفت الأجور في غرفة الإنعاش.
طقوس على مقصلة التضخم
الأسر ذات الدخل المحدود وهي الغالبية لم تفلت بعد من آثار الغلاء الذي مس اللحوم والزيوت قبل عام، حتى امتد اليوم إلى معاطف الصغار وفساتينهم. وبينما اعتاد الآباء إخفاء قلقهم خلف ابتسامة ترضي نهم الصغار، صار الحديث عن “قيمة القسط المدرسي القادم” حاضرا حتى في حديث تاجر الجوارب.
ماكينة الحساب لم تنقطع: “قميص بـ180، حذاء بـ250، قبّعة بـ70”، تشير الأرقام إلى واقع استحال فيه شراء ثلاث إطلالات كاملة إلى رقم يطرق باب الألف درهم؛ رقم يقسو حين يكون الحد الأدنى للأجر 3115 درهما.
من العيد إلى العبرة
عيد الأضحى بطقوسه من الأضحية إلى كسوة العيد كان محطة فرح جماعي تعلن عن تكافل موروث. اليوم، تهدد أرقام التضخم بتقليص ملامح البهجة إلى فتات رمزي،.. وتصرخ جيوب محدودي الدخل في فراغ لا يلتفت إليه المسؤولون إلا عبر بيانات تأجيلية.
في سوق أولاد ميمون، غابت الزينة المعلقة فوق الرؤوس، أو ربما لا تزال هناك لكنها فقدت بريقها في عيون انشقت بين الرغبة والقدرة. الأطفال وحدهم ينجحون في اقتناص لحظات من الفرح؛ إذ تكفيهم قبعة لامعة أو بالون ملون ليدركوا العيد، بينما يواصل آباؤهم العد على حروف الجيوب.