لم يعد المغرب يطرح الأسئلة حول مستقبله الصناعي، بل صار يملي إيقاعه. هناك، لا تصنع السيارات فقط، بل تصاغ طموحات أمة قررت أن تكون ضمن صناع المستقبل لا زبائنه. التحول إلى الطاقة النظيفة لم يعد شعارا، بل مشروعا يتحرك على عجلات مغربية وببطاريات قيد الولادة.
في قاعة تحتضن النسخة الثامنة من “لقاءات صناعة السيارات”، كان لحديث رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، وقع مختلف. لم يكن يعلن عن خطة، بل عن قفزة. “بطاريات مغربية خالصة”، قالها والابتسامة تسبق التحدي. البطارية، قلب المركبة الكهربائية، ستنتج في المغرب العام المقبل. ومعها، سترتفع نسبة الإدماج المحلي من 69% إلى أكثر من 80%، خطوة تقرب البلاد من الحلم الكبير: سيارة مغربية من الألف إلى الياء.
ليست الخطة مجرد كلام وزاري، بل استثمارات ثقيلة. مجموعة “غوشن هاي تك” تعِد بـ65 مليار درهم، فيما تتجه “CNGR” بشراكة مع صندوق “المدى” لضخ ملياري دولار في التربة المغربية. هذا ليس إعجابا عابرا من الشرق الأقصى، بل ثقة في قدرة المملكة على التحول من مصنع إلى مبتكر، ومن مجمع إلى مصدر لقيمة مضافة.
وراء هذه النقلة، تقف ثلاث علامات تشكل العمود الفقري لصناعة السيارات في المملكة. “ستيلانتيس” و”رينو” تضخان سنويا ما يقارب المليون سيارة، والنجم المغربي الصاعد “نيو موتورز” يضع بصمة محلية خالصة على طموح عالمي. هذا الثلاثي لا يكتفي بالتجميع، بل يعيد كتابة معادلة الصناعة المغربية على إيقاع الكهرباء والذكاء الصناعي.
157.6 مليار درهم من صادرات السيارات في العام الماضي، نصفها مركبات والنصف الآخر مكونات. أكثر من 260 شركة و220 ألف وظيفة. والمستقبل؟ بنك المغرب يتوقع قفزة نحو 200 مليار درهم في 2026. هل هي أرقام؟ ربما. لكنها في الواقع، شهادة ميلاد لمغرب صناعي جديد.
التحول الطاقي، المركبات المتصلة، الذكاء الاصطناعي… هذه ليست مفردات ترف، بل تحديات يومية. ومن هنا جاءت اتفاقيات التكوين الجديدة، حيث تضع الحكومة و”أميكا” أيديهم في يد المستقبل، لضمان أن يكون العامل المغربي جزءا من الثورة، لا ضحية لها.