لم تكن تعلم أن رحلتها الصباحية صوب سد المسيرة ستكتب على جبين المأساة بدموع أم، وصمت دوار، وغصة وطن.
كانت “مريم”، طفلة الثالثة عشرة، تحمل دلوها المعتاد، وتمسك بخيوط الأمل، تمشي رفقة صديقاتها في طريق وعر، تكسوه الحصى والعطش. كانت تعرف المسار جيدا، فقد سلكته مئات المرات من قبل، لا بحثا عن لهو الطفولة، بل عن قليل من الماء، تكفي به عائلتها لأيام.
في جماعة دار الشافعي بإقليم سطات، حيث الجفاف يقسو ببطء، وحيث السدود صامتة لا تجود إلا بالقليل، اعتاد الأطفال أن يختصروا أحلامهم في أوعية بلاستيكية، يملؤونها من السد، ويعودون بها على ظهور الدواب. لا أحد يسألهم: لماذا لا تدر المدارس الماء كما تدر العلم؟ ولماذا لا تصل الصهاريج إلى المنازل كما تصل الأحزان؟
في صباح الثلاثاء 10 يونيو، اختارت الحياة أن تختبر صبر دوار آخر. مريم، التي ضحكت لصديقاتها قبل دقائق، زلت قدمها. ارتجف الماء، وغابت الصغيرة بين أمواجه. لم يكن أحد جاهزا للوداع. هرع أبناء المنطقة، انتشلوا جسدها البارد، وكانت عيناها شبه مفتوحتين، كأنها تتساءل: “لماذا؟”
تجمع السكان، بعضهم يصرخ، بعضهم يبكي، والبقية يحدق في السد بصمت يختصر كل شيء. حضر رجال الدرك، وقفوا على الواقعة، لكن لا أحد يستطيع أن يوقف نزيف القهر الذي يشعر به هؤلاء الناس منذ سنوات.
المأساة ليست فردية، فـ أزمة العطش تخنق مئات الأسر بدواوير في أنحاء مختلفة من البلاد. الماء، الذي يعتبر حقا طبيعيا، تحول إلى عبء، بل إلى خطر قاتل. في ظل غياب إجراءات حقيقية من الجهات المنتخبة أو السلطات الإقليمية، يبقى الأطفال أول الضحايا، والنساء في طوابير الانتظار، والدواب تقطع الكيلومترات بحثا عن قطرة ترويها.
سكان المنطقة، بصوت مرتعش، ناشدوا عامل إقليم سطات، طالبوا بتدخل فوري قبل أن يتحول السد إلى شاهد على مآسي متكررة. هم لا يطلبون الكثير، فقط الماء، لا أكثر.
هذه الحكاية ليست فقط عن طفلة ماتت غرقا، بل عن وطن صغير يموت عطشا، بصمت، دون ضجيج، ودون وعود تصل. وهل بعد الماء حياة؟