انطلقت من مراكش صافرة الإنذار، بعد أن بلغت حوادث السير في صفوف مستعملي الدراجات النارية أرقاما مفزعة لم يعد بالإمكان تجاهلها. فقد أفادت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا” أن 1532 شخصا من راكبي الدراجات النارية لقوا مصرعهم خلال سنة 2024، وهو ما يمثل 42,1 في المئة من مجموع ضحايا الطرق في البلاد.
هذه المعطيات، التي تكشف عن حجم الكارثة، دفعت الوكالة إلى إطلاق حملة وطنية موسعة تحت شعار “الدراجة الآمنة”، هدفها تقليص عدد الحوادث عبر توعية السائقين، خصوصا الفئة الشابة التي تمثل 64% من ضحايا هذا الصنف، وتتراوح أعمارهم بين 15 و39 سنة.
الحملة انطلقت من جهة مراكش آسفي، التي سجلت 10855 حادثة و299 حالة وفاة سنة 2022، متبوعة بجهة الدار البيضاء سطات بـ28044 حادثة و376 حالة وفاة، ثم جهة فاس مكناس بـ97 وفاة. في نفس السنة، بلغ عدد المصابين في جهة مراكش 1328 مصابا، مقابل 1271 في البيضاء، و344 بفاس مكناس.
استراتيجية متعددة المسارات
“نارسا” لم تكتف بالشعارات، بل وضعت خطة تواصلية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة. وتشمل الحملة 98 نقطة عبر 36 مدينة، تمتد على مدار ثلاثة أشهر (شتنبر، أكتوبر، نونبر)، وتدار من طرف فرق ميدانية متخصصة بتعاون مع جمعيات محلية ومصالح أمنية.
وتنوعت وسائل التحسيس من جولات توعوية يقودها “سفراء السلامة”، إلى محاكاة حوادث سير في الشارع العام، مرورا بتحويل محطات الوقود إلى نقاط تواصل وتوزيع 50 ألف خوذة مجانية، وتشجيع على الخوذات المطابقة لمعايير الجودة، في ظل أن نسبة استعمالها لا تتجاوز حاليا 56%.
العالم الرقمي في قلب المواجهة
الفضاء الرقمي شكل بدوره ساحة موازية للحملة، من خلال إنتاج محتويات مرئية قصيرة، شهادات لمواطنين نجوا من الموت، إطلاق تحديات ومسابقات على المنصات الاجتماعية، وإنشاء مجموعات فيسبوكية تفاعلية لتبادل النصائح والقصص الواقعية.
الحملة شملت كذلك إجراءات رقابية جديدة، منها تشديد المراقبة على الالتزام باستعمال الخوذة، تفعيل وحدات متنقلة لضبط السرعة، وتفتيش بائعي وموزعي الدراجات للتأكد من مطابقة المواصفات التقنية، إضافة إلى دعم مشاريع تحسين البنية التحتية الحضرية.
خلال الفترة ما بين 2015 و2022، ارتفعت نسبة الوفيات داخل المجال الحضري بـ14 نقطة، ما يؤكد أن الأزمة ليست فقط في الطرق، بل في غياب ثقافة السلامة. “نارسا” تدق ناقوس الخطر وتفتح الباب لنقاش وطني حول واقع الدراجين الذين تحولوا إلى أكبر ضحايا حرب الطرق.