يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل شبه كامل على استيراد الليثيوم رغم أهميته في التحول البيئي الذي تسعى أوروبا لتحقيقه. وبينما تسعى دول العالم لتقليل الانبعاثات وتعزيز الطاقات المتجددة، يتعاظم الطلب على الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة الكبيرة. لكن الواقع يكشف أن إنتاج أوروبا من هذا المعدن الحيوي لا يتجاوز 0.1% من الإنتاج العالمي، ما يجعلها في موقف ضعيف، معتمدة بشكل كبير على الاستيراد من دول مثل أستراليا وتشيلي والصين، التي تتصدر قائمة منتجي الليثيوم عالميا.
مبادرة أوروبية لتحقيق الاكتفاء الذاتي
أمام هذا الاعتماد الهائل، أطلقت المفوضية الأوروبية خطة تهدف إلى بناء سلسلة توريد محلية لليثيوم تشمل مراحل التعدين والتصنيع وإنتاج البطاريات. وتطمح هذه الخطة لتقليل الاعتماد على الخارج، خاصة مع تصاعد التوترات التجارية واضطرابات سلاسل التوريد العالمية التي شهدتها أوروبا بعد جائحة كوفيد-19.
يشير الخبراء إلى أن أوروبا تواجه عدة عقبات قد تعرقل هذا الطموح. فالوقت والتكلفة الكبيرة لتطوير مناجم الليثيوم تعد من أبرز التحديات، حيث أن المشاريع التعدينية تتطلب سنوات طويلة لتصبح قابلة للتشغيل، فضلا عن استثمارات ضخمة. رغم ذلك، يوجد احتياطي معتبر من الليثيوم في دول مثل فنلندا والسويد وإسبانيا والبرتغال، مع محاولات من شركات دولية لفتح مناجم جديدة، إلا أن المعارضة المحلية تتزايد بسبب المخاوف من تأثيرات بيئية سلبية.
على صعيد المعالجة،.. تفتقر أوروبا للقدرة الكافية على تكرير الليثيوم الخام وتحويله إلى المواد الضرورية لصناعة البطاريات،.. ما يجعلها معتمدة أيضا على الصين التي تستحوذ على 70 إلى 90% من هذه السوق. ونتيجة لذلك، تحاول أوروبا الآن جذب استثمارات لإنشاء منشآت تكرير تعتمد على الطاقة المتجددة لتقليل التكاليف والاعتماد على مصادر محلية.
صناعة البطاريات: تحديات ومنافسة عالمية شرسة
فيما يخص إنتاج البطاريات، تعد أوروبا في موقف أفضل مع وجود عدد من المصانع، خصوصا في بولندا والمجر،.. لكن معظمها مملوك لشركات كورية. وتخطط أوروبا لزيادة طاقتها الإنتاجية بشكل ضخم خلال السنوات المقبلة، إلا أن التكلفة العالية مقارنة بالصين قد تعيق تلك الجهود،.. خاصة مع تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية في السوق الأوروبية وانخفاض أسعار البطاريات الصينية.
لتفادي هذه المعوقات، تحتاج أوروبا إلى استثمارات كبيرة تقدر بنحو 76 مليار يورو لتطوير سلسلة التوريد المحلية. ورغم أن الولايات المتحدة تتفوق في هذا الجانب بفضل قانون خفض التضخم لعام 2023،.. الذي خصص أكثر من 70 مليار دولار لدعم سلاسل توريد البطاريات،.. فإن استثمارات الاتحاد الأوروبي في هذا المجال لا تزال متواضعة.
أمام هذه الطموحات، يواجه الاتحاد الأوروبي خيارا صعبا بين تعزيز إنتاج الليثيوم محليا،.. والذي سيترتب عليه آثار بيئية واجتماعية، وبين استمرار الاعتماد على الاستيراد. ويبدو أن أوروبا ستضطر قريبا إلى التكيف مع هذه التحديات واتخاذ قرارات حاسمة لحماية مستقبل صناعتها البيئية.