لم تعد أزمة السكن والمعاناة مع رخص البناء حكرا على سكان المدن الكبرى، بل أصبحت اليوم تمتد إلى عمق القرى المغربية، حيث يجد المئات من سكان البوادي أنفسهم عاجزين عن بناء مأوى بسيط فوق أرضهم، بسبب قرارات المنع الصارمة وغياب مخططات التهيئة والتصاميم العمرانية.
في عدد من الأقاليم، لم تعد السلطات تكتفي برفض طلبات البناء أو حفر الآبار، بل شرعت في هدم البنايات المشيدة بدون ترخيص، ما خلق حالة من التوتر والقلق داخل الأوساط القروية. ويؤكد كثيرون أن هذه السياسات الصارمة تساهم في تغذية موجة الهجرة الداخلية نحو المدن، في وقت تتحدث فيه الدولة عن الحد من النزوح القروي وتعزيز التنمية المحلية.
حسن الكريمي، بناء من إحدى قرى إقليم العرائش، يمثل صورة عن هذه المعاناة. يقول بأسى: “كنت أعيش مع عائلتي في منزل كبير، وحين تزوجت ورزقت بأربعة أبناء، أردت أن أبني بيتا صغيرا لعائلتي، لكن السلطات رفضت منحي الترخيص رغم كل المحاولات. في النهاية، لم أجد سوى طنجة لأبدأ حياة جديدة بعيدا عن قريتي”.
بالنسبة للكريمي، الحياة في البادية أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى، فالجفاف وانعدام فرص الشغل، إلى جانب منع البناء وحفر الآبار، جعلت الأسر القروية تفقد الأمل في البقاء، مضيفا: “الكثير من الجيران تركوا القرية، والبعض يعيش اليوم في مدن لا يعرف فيها أحدا، فقط لأنه أراد سقفا فوق رأسه”.
من جانبه، يرى الخبير في الهجرة والتنمية القروية أحمد الطلحي أن الوضع «ليس مظلما بالكامل»، مشيرا إلى أن معدل الهجرة القروية نحو المدن تراجع مقارنة بسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. لكنه يعترف بأن التحديات اليوم مختلفة وأكثر تعقيدا، إذ أصبح الحصول على رخصة للبناء أو حفر بئر تحديا حقيقيا أمام سكان القرى.
ويؤكد الطلحي أن القانون المغربي لم يواكب بعد التحولات التي تعرفها المناطق القروية، سواء على المستوى السكاني أو الاستثماري، داعيا إلى مراجعة الإطار التشريعي المتعلق بالتعمير والبناء في العالم القروي، وإشراك الساكنة والمنتخبين في صياغة حلول واقعية.
ويضيف الخبير أن “المشكل ليس فقط في المنع، بل في غياب رؤية متكاملة تراعي خصوصية القرى”، مشددا على أن مقاربة تشاركية حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والسكان هي السبيل الوحيد لتفادي إفراغ البوادي من سكانها.
فبين قسوة الطبيعة وقسوة القوانين، يجد سكان القرى أنفسهم اليوم أمام سؤال وجودي: هل يكتب عليهم الرحيل بحثا عن الحق في السكن؟
الأكيد أن استمرار هذا الوضع، دون إصلاح تشريعي شامل، سيسرع من وتيرة نزوح صامت يهدد توازن العالم القروي ومستقبل التنمية في المغرب.


