الأكثر مشاهدة

شتائم على الهواء.. التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ببيان رسمي

في الجزائر حيث السياسة تتحول يوما بعد آخر إلى مسرح عبثي مفتوح، قرر النظام الحاكم أن يضيف إلى قائمة خصومه “دولة أخرى” تليق بمشهد التوتر الدائم. هذه المرة، الدور كان على الإمارات العربية المتحدة، التي وجدت نفسها فجأة عرضة لهجوم رسمي غير مسبوق، صيغ بلغة تشبه بيانات المراهقين أكثر من بيانات الدول.

في نشرة الثامنة مساء، التي عادة ما تخصص للحديث عن “إنجازات” الرئيس تبون، تحولت الشاشة الرسمية للتلفزيون الجزائري إلى منبر للشتم والتخوين، والسبب؟ مقابلة عادية جمعت مؤرخا جزائريا بصحفية جزائرية على قناة عربية… مملوكة إماراتيا. هكذا ببساطة، أصبح وجود قناة مملوكة من أبوظبي مبررا كافيا لإعلان حرب كلامية لا تليق لا بمقام الدولة الجزائرية ولا بمستوى الخطاب السياسي المفترض.

البيان الذي تلي بصوت مذيعة بدت وكأنها توبخ العالم، اتهم الإمارات بأنها “دويلة مصطنعة”، ووصف قادتها بأنهم “أقزام”، واعتبر مقابلة المؤرخ بلغيث “تصعيدا إعلاميا خطيرا ضد هوية الجزائر”. خمس دقائق من الانفعال الممجوج، نقلت المشاهد من نشرة أخبار إلى ما يشبه جدالا في أحد أسواق القصبة.

- Ad -

من النشرة إلى المعركة

لكن، حين ينفجر الغضب من قصر المرادية، لا ينتظر منه سوى هذا الشكل من التشنج. فالرئيس عبد المجيد تبون، الذي يعيش مرحلة شك عميق في شرعيته السياسية، يبحث دوما عن خصم خارجي ليلهي به الداخل، ويصرف الأنظار عن إخفاقاته الاقتصادية والدبلوماسية المتوالية. وبينما كان الجميع يتحدث عن تقارب مغربي-فرنسي، وعن عودة الرباط بقوة إلى الساحة الإفريقية، اختار تبون أن يقصف أبوظبي… بالكلمات طبعا.

المفارقة أن الأمر كله بدأ بمقابلة بين جزائريين. المؤرخ محمد الأمين بلغيث،.. المعروف بتصريحاته الانفعالية، أدلى برأي حول الأصل الأمازيغي والعربي، ويمكن ببساطة تصنيفه ضمن الحراك الفكري المفتوح. لكن الدولة الجزائرية، التي لا تؤمن بالاختلاف، حولت المسألة إلى “عدوان خارجي”. أي أن النقاش الهوياتي الداخلي أصبح فجأة مؤامرة خليجية!

الأكثر غرابة أن البيان قرأه جهاز رسمي تابع لرئاسة الجمهورية، لا صحيفة هامشية أو موقع إلكتروني مشبوه. كمال سيدي سعيد،.. المستشار الإعلامي للرئيس، هو من حرك خيوط هذه المهزلة الخطابية، في ما يبدو أنه رد انتقامي موجه بالأساس إلى الداخل الجزائري أكثر من كونه موجها لأبوظبي.

الشتائم المعلنة لم تكن حادثا معزولا،.. بل حلقة جديدة في مسلسل الانهيار الخطابي للنظام، الذي اعتاد أن يغلف إخفاقاته بمفردات التخوين. ومن المغرب إلى فرنسا، ومن إسبانيا إلى الإمارات، بات من الواضح أن الدولة الجزائرية في عهد تبون لا تقبل الصمت، بل تحتاج دوما إلى خصم وهمي لتنفس عنه توتراتها.

ربما يعتقد النظام أن هذا الهجوم سيزيد من شعبيته،.. لكن الحقيقة أن الجزائريين ـ الذين يتابعون يوميا انهيار الدينار، وتراجع الخدمات،.. وانغلاق الأفق السياسي ـ لم يعودوا يثقون بهذه المسرحيات. ومثلهم، يراقب العالم بدهشة كيف تحوّل جهاز رسمي لدولة عريقة إلى ميكروفون شتائم على الهواء.

مقالات ذات صلة