منذ خمس سنوات، تحولت حياة سيدة مقيمة في حي جميلة 4 بـ “سباتة” بالدار البيضاء إلى ما يشبه “حياة العصر الحجري”، إذ تعيش هي وأبناؤها بلا ماء ولا كهرباء منذ عام 2020، ليس بسبب الإهمال، بل كنتيجة مباشرة لقصة نصب معقدة تداخلت فيها الرهون العقارية والمزادات العلنية وأحكام المحاكم المربكة.
بداية القصة.. فخ الرهن بـ 8.5 مليون سنتيم
تعود تفاصيل المأساة إلى عام 2018، عندما قامت السيدة برهن منزلها الكائن في جميلة 4 بسباتة مقابل مبلغ مالي قدره 85 ألف درهم (8.5 مليون سنتيم). ومع حلول عام 2020، تأكدت الضحية أن الطرف الذي رهن لديه العقار “نصاب”، وأنه لن يعيد لها المبلغ المالي.
فور انتهاء العقد، سلكت السيدة جميع الإجراءات القانونية المتاحة لضمان حقها، بما في ذلك “الحجز التحفظي”، وتوثيق الملكية، تنفيذا لتعليمات المحكمة التي أكدت لها أن فلوسها ستكون “مضمونة” عند بيع العقار في المزاد العلني.
في ماي 2022، وبعد دخول القضية أروقة المحاكم، تم عرض المنزل في المزاد العلني. وهنا تعقدت القصة أكثر، إذ قام أشخاص آخرون كانوا قد وضعوا حجوزا على العقار بشراء المنزل، ليصبحوا الملاك الجدد.
لكن الصدمة الكبرى كانت عندما ذهبت الضحية إلى المحكمة لاستلام المبلغ المضمون لها (85 ألف درهم)؛ حيث طلب منها “حكم من القاضي” يثبت استحقاقها للمبلغ، متجاوزين بذلك عقد الرهن وشهادة الملكية السابقة.
وبعد جلسة مع القاضي، جاء الحكم ليصعق الجميع: رفض القاضي الإذن بصرف المبلغ المالي الموجود في الصندوق، واشترط على السيدة “الخروج من المنزل أولا، ثم رفع دعوى جديدة” للمطالبة بفلوسها!
هنا، رفضت المحامية إكمال القضية خوفا من فقدان الموكلة لمدخراتها بالكامل، ونصحتها بالبقاء في المنزل كآخر ورقة ضغط قانونية، خاصة وأن المبلغ هو كل ما تملكه في الحياة.
صفقة “الـ 4 ملايين” التي تبخرت
الملاك الجدد، الذين كانوا على علم بتعقيد القضية ورفض المحكمة، تواصلوا مع السيدة في أواخر عام 2022. وبحسب إفادتها، اتفقوا شفويا على صفقة: أن تتنازل عن حقها في المحكمة مقابل أن يدفعوا لها 40 ألف درهم (4 ملايين سنتيم)، وأن تبقى في المنزل ريثما يتم إصلاحه بالكامل.
لكن الاتفاق لم يتم احترامه. ففي عام 2024، عاد المالك الجديد مطالبا إياها بدفع “واجبات الكراء” أو الإفراغ، متناسيا الاتفاق المبدئي.
خلال هذه الفترة المليئة بالنزاعات القانونية، لم يكن المنزل صالحا للحياة:
الماء والكهرباء: قطعا منذ عام 2020، ليس فقط من الملاك الجدد، بل حتى من الملاك الأصليين الذين نصبوا عليها. ورغم الأحكام اللاحقة، رفضت شركة الكهرباء والماء إعادة الخدمة بسبب متأخرات بمبلغ 6 ملايين سنتيم كان بذمة “النصابين” الأصليين.
تعيش السيدة وأبناؤها في ظلام دامس، ويعتمدون على الشموع وقنينة غاز للإضاءة، ومؤخرا على مصباح قابل للشحن، خوفا على الأطفال من الحريق. أما الماء، فيتم جلبه يوميا من “عوينة” أو قصارة في حي سباتة.
ورغم أن السيدة تودع واجبات الكراء بانتظام عن طريق “عنون قضائي” بعد رفض المالك الجديد استلامها، مما يثبت استمرار إيفائها بالتزاماتها كـ “مكترية”، إلا أن المحكمة أصدرت مؤخرا حكما بالإفراغ، ورفضت للمرة الأخيرة إعادة مبلغ الرهن (85 ألف درهم).
وتقول السيدة بحرقة: “دوزت خمس سنين من عمري أنا وولادي في هذا الدار بلا ما ولا ضوء، غير على أساس باش ناخذوا الحق ديالنا. اليوم غنخرج بلا ريال بلا حتى شي حاجة.”
وتناشد السيدة المسؤولين وكل من يهمه الأمر التدخل لإنصافها واستعادة مدخراتها الوحيدة، مشددة على أن حقها “تنسف” بفعل تعقيدات قانونية ونصب مالي، وأنها اليوم مهددة بالتشرد هي وأبناؤها.


