يتوقع المستقبلي الشهير راي كورزويل أن البشرية على أعتاب تحول جذري سيعيد تعريف معنى الإنسانية بشكل كامل. ففي كتابه الأخير التفرد أقرب، يسلط كورزويل الضوء على فكرة أن عام 2045 سيكون نقطة تحول حاسمة في تاريخ البشرية، حيث ستصل إلى مرحلة “التفرد” – وهي اللحظة التي يندمج فيها الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي بشكل لا رجعة فيه.
كورزويل، الذي لطالما كانت تنبؤاته التكنولوجية محط جدل وإثارة، يؤكد أن هذه الثورة التكنولوجية المرتقبة ستعزز من القدرات العقلية للبشر بشكل لم يسبق له مثيل. ويتصور أن هذا التعزيز سيأتي من خلال دمج الروبوتات النانوية داخل أدمغتنا، مما سيتيح للبشر توسيع نطاق ذكائهم ومعارفهم بطرق جديدة وغير مسبوقة.
ويعتمد كورزويل في توقعاته على فرضيات سابقة قدمها، حيث توقع في وقت سابق ظهور الذكاء العام الاصطناعي (AGI) بحلول عام 2029. هذا الذكاء الاصطناعي العام سيكون، وفقا له، بمثابة مقدمة لتلك المرحلة النهائية من التكامل بين الإنسان والآلة.
كورزويل: الذكاء الاصطناعي سيغير كل شيء
في مقابلاته وتصريحاته المختلفة، ومنها ما نشر في مجلة Popular Mechanics،.. يشير كورزويل إلى أن اندماج الإنسان مع التكنولوجيا ليس مجرد احتمال، بل هو أمر لا مفر منه. ويرى أن هذا الاندماج سيؤدي إلى تعزيز هائل في وعي الإنسان وقدراته المعرفية. ومع ذلك، يثير هذا التحول الدراماتيكي تساؤلات جوهرية حول مستقبل البشرية.
واحدة من أبرز الأسئلة التي تثار في هذا السياق تتعلق بسوق العمل،.. إذ ماذا سيحدث للوظائف التقليدية عندما تصبح الآلات والذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء وقدرة من البشر في أداء المهام؟ هل سيتعين على البشرية إعادة تعريف العمل والقيمة الاقتصادية في عصر ما بعد التفرد؟
وهناك أيضا التساؤلات الفلسفية العميقة: هل يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تحقيق حلم الخلود؟ فمع التحسينات المستمرة في الطب،.. وتعزيز القدرات البيولوجية عبر التكنولوجيا،.. يبدو أن احتمالات تمديد الحياة البشرية أو حتى القضاء على بعض جوانب الشيخوخة قد تصبح ممكنة.
رغم كل هذه الأسئلة والتحديات، يظل كورزويل متفائلا. فهو يؤمن بأن التقدم في الطب،.. إلى جانب إدخال مفاهيم مثل الدخل الأساسي الشامل،.. يمكن أن يقدم حلولا فعالة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنجم عن هذا التحول الكبير. وبالنسبة له، فإن البشرية على وشك الدخول في عصر جديد، حيث سيعيد الاندماج بين التكنولوجيا والبيولوجيا صياغة كل ما نعرفه عن الحياة، الوعي، والوجود الإنساني.
باختصار، يرى كورزويل أن التفرد ليس نهاية للبشرية، بل هو بداية جديدة. عصر ستكون فيه الحدود بين الإنسان والآلة ضبابية، وسيصبح فيه السؤال عن معنى الإنسانية أكثر أهمية من أي وقت مضى. ومع تقدمنا نحو هذا المستقبل المجهول، فإن التفاؤل الذي يبديه كورزويل قد يكون الدافع الذي تحتاجه البشرية لتجاوز المخاوف والشكوك، والاستعداد لاستقبال عصر التفرد بوعي وأمل.