بعيدا عن لغة الأرقام الجافة، تكشف الأوضاع الاقتصادية في المغرب مفارقة مؤلمة: تحويلات مغاربة العالم بلغت خلال سنة 2024 حوالي 117,7 مليار درهم، أي ما يعادل 7,7% من الناتج الداخلي الخام، ومع ذلك لا يكاد يرى لها أثر في الاقتصاد المنتج.
هذا السيل المالي الضخم، الذي يعتبر شريانا حيويا للاقتصاد الوطني، يتوجه بشكل شبه كلي نحو قطاع واحد فقط: العقار. أكثر من 40,7% من استثمارات مغاربة المهجر تصب في شراء الشقق والبقع الأرضية، فيما لا تتعدى الاستثمارات في المشاريع الإنتاجية نسبة 1,3%، وفق تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2022.
لكن لماذا هذا الإحجام؟ وما الذي يدفع هؤلاء المغاربة، رغم ارتباطهم الوجداني ببلدهم، إلى تفادي ضخ أموالهم في مشاريع تنموية؟
الإجابات تأتي صريحة ومباشرة من الجالية نفسها: تعقيد المساطر، غياب الحوافز، تفشي المحسوبية والفساد، وانعدام الثقة في الإدارة. هذه العراقيل ليست مجرد ادعاءات، بل نتائج موثقة في استطلاع رسمي أجري نهاية 2022.
أموال مغاربة العالم.. ثروة مهدورة
وفيما كان يفترض أن تشكل البرامج الموجهة نحو الجالية رافعة حقيقية للاستثمار، فإن الواقع يكشف العكس تماما. برنامج “MDM Invest” لم ينجح سوى في قبول 48 ملفا فقط خلال 20 سنة، بين 2002 و2022. رقم هزيل يعكس عمق الأزمة الهيكلية.
أما الأبناك، فبدورها لم تواكب تطلعات الجالية، حيث انحصرت عروضها في الخدمات الكلاسيكية كتحويل الأموال والقروض السكنية، دون التفكير في آليات تمويل حقيقية كالصناديق الاستثمارية أو حلول الادخار طويل الأمد.
ويضاف إلى ذلك فشل واضح في التواصل الرسمي مع الجالية. لا وجود لمرجع موحد للمعلومات، ولا لخريطة واضحة للمستثمرين، ولا حتى لتنسيق بين الجهات. نتيجة ذلك، يجد المستثمر نفسه تائها بين إدارات متضاربة ووعود لا تتحقق.
من جهة أخرى، تتركز التحويلات في أربع جهات فقط، بينما يعاني المغرب العميق من ضعف التمويل وانعدام فرص التنمية المحلية، ما يزيد من تعميق الفوارق المجالية.
أمام هذا الواقع، خرج المجلس الاقتصادي بمجموعة من التوصيات أبرزها:
- فتح صندوق محمد السادس للاستثمار أمام مغاربة المهجر
- إحداث صندوق خاص بالمشاريع ذات الأثر الاجتماعي والبيئي
- تصميم منتجات بنكية جذابة ومناسبة لمغاربة العالم
الخلاصة أن الإرادة موجودة، والمال متوفر، لكن المناخ لا يشجع. ولا يمكن تحويل هذه الثروة المالية إلى تنمية فعلية دون إصلاحات جذرية، ضمانات واضحة، ومسؤولين يؤمنون بأن الجالية ليست فقط مصدرا للعملة الصعبة، بل شريك استراتيجي في بناء الوطن.